غزة وحماس.. أم
القضية والأمة؟
بقلم: ياسر
الزعاترة
السؤال أعلاه
بالغ الأهمية، إذ يربط موتورون هنا وهناك ما يجري في قطاع غزة من عدوان إسرائيلي
فقط بحركة حماس، أو بقطاع غزة وحده، كأنما الأخير ليس جزءا من فلسطين، أو لكأن ما
يجري مفصول عن ما يجري في عموم المنطقة.
وإذا كان ذلك
مقبولا في السابق قبل ما يعرف بالمصالحة أو حكومة الوحدة، فقد تأكد الآن أن الموقف
ليس كذلك، مع أنه لم يكن كذلك في الأصل، إذ لم يؤسس الشيخ أحمد ياسين حركة حماس
لكي تحرر قطاع غزة وتصنع منه دولة، بل أسس حركة عنوانها فلسطين، كل فلسطين، وما
جرى في عام 2007 كان حدثا غير محسوب على الإطلاق، جُرَّت إليه الحركة جرَّا بسبب
ممارسات دحلان وبلطجته.
الذي لا شك فيه
أن الجزء الأكبر من تفسير الاستهداف يتعلق ابتداء ببرنامج العدو الصهيوني، وليس
ببرامج الآخرين المكملة، أو لنقل التي يسَّرت عملية الاستهداف الراهنة، لكنها جزء
أساسي منه دون شك.
البرامج المشار
إليها هي في واقع الحال برنامج واحد، وإن تعدد منفذوه، أعني برنامج مطاردة ربيع
العرب، وتلقين الشعوب درسا لأنها ثارت، بحيث لا يفكر سواها في الثورة أو حتى
المطالبة بالإصلاح السياسي.
إنه برنامج
أنظمة الثورة المضادة القائم على تخريب الربيع العربي، وجعله محطة للفوضى
والمعاناة للناس، وحين تجعل تلك الأنظمة هذه الأولوية هي الحاكمة لسلوكها، فمن
الطبيعي أن تلتقي مع العدو، وأقله تعتبر الصراع معه هامشيا قياسا بالصراع الأكبر
مع الشعوب الثائرة، أو الحركات التي تحرك الشعوب وتدفعها للثورة.
والحال أن
الاستهداف هنا لا يتعلق البتة بالإسلاميين كحالة أيديولوجية، وإنما بهم كرواد في
ميدان التغيير والإصلاح، ولو قاد الثورات أو مسيرة الإصلاح تيار سواهم، لما تغيرت
آلية الاستهداف عن ما هي الآن، أو عن ما كانت عليه خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
من دون أن ننسى أن هناك من يخصُّ الإسلاميين بقدر أكبر من العداء لاعتبارات تتعلق
بمنافسته على شرعية دينية يأخذها لهذا الاعتبار أو ذاك.
ولأن السياسة
أولويات، فقد كان من الطبيعي أن تبادر أنظمة الثورة المضادة إلى تهدئة مع الكيان
الصهيوني، وربما صفقات من تحت الطاولة، بعضها نعرفه، وبضعها لا نعرفه، وإن كنا
نحسُّ به بروحية التحليل، ونتذكر في هذا السياق تصريحات وزير الخارجية الصهيوني
ليبرمان قبل أسابيع في مؤتمر هرتسيليا، حين قال "شبعنا لقاءات سرية مع
السياسيين العرب، ونريد لقاءات في العلن".
حين تجعل تلك
الأنظمة أولويتها مطاردة ربيع العرب، والإسلاميين لأنهم يتصدرونه، فإن عليها أن
تتصالح مع الكيان الصهيوني، أولا لأن الصراع معه كان رافعة لقوى التغيير، باعتبار
أن الجزء الخارجي من الحنق على الأنظمة يتعلق بموقفها منه وعجزها عن التصدي
لغطرسته، وثانيا لأنها تدرك أن قادة الكيان هم "الأكثر نفيرا" في الغرب
وأميركا، بل على مستوى العالم أجمع.
لا يمكن لمن
يريد استهداف شعبه سوى أن يصالح عدوه، ونتذكر هنا ملوك الطوائف الذين كانوا يهربون
إلى حضن العدو لكي يواجهوا إخوتهم في الدين، لكن الأمر هنا يغدو أكثر حيوية، إذ
يريد قادة الأنظمة التخلص من صداع الديمقراطية والتعددية الذي يتبناه الغرب نظريا،
أو لغايات الابتزاز عبر التصالح مع الكيان الأكثر تأثيرا في سياساته.
وقد رأينا على
هذا الصعيد كيف كان نتنياهو هو الأكثر دعما للانقلاب في مصر، وهو الذي أمّن له
الدعم الأميركي والغربي، فكان لزاما على السيسي أن يقدم له الثمن من خلال القضية
الفلسطينية، أولا باستهداف حماس، وثانيا بدعم مسيرة العبث التي يقودها محمود عباس
والتي توفر الأمن والأمان للكيان الصهيوني.
هل تذكرون مثلا
لماذا أعلنت المبادرة العربية للسلام في العام 2002؟ لقد أعلنت من خلال حديث مع
صحفي أميركي (توماس فريدمان) وقد أخرجت في وقت كان يعاني أصحابها من ضغوط الغرب
الرامية إلى دفعهم نحو الديمقراطية، حين تبنى طرحا يقول إن ما دفع أبناءهم إلى
التورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر هو غياب الديمقراطية والتعددية في الداخل.
وكان لافتا، بل
مثيرا أن يجري إخراج تلك المبادرة بما انطوت عليه من تنازلات ووعود بالتطبيع (لم
تعجب الكيان الصهيوني طبعا، ولكن اعتبرها محطة من محطات التنازل الكثيرة في مسيرة
القضية)، كان مثيرا أن تُعلن بينما كانت دبابات شارون تجتاح الضفة الغربية، فيما
عرف يومها بعملية "السور الواقي". بل إن وضع حماس اليوم لا يكاد يختلف
من حيث التآمر عليها وحصارها عن ما كان يعيشه ياسر عرفات من حصار في المقاطعة بعد
تلك العملية (السور الواقي)، ونتذكر كيف كان يصرخ بأن أحدا من زعماء العرب لا يرد
على اتصالاته.
اليوم يتكرر
المشهد تماما، فمن يريدون التخلص من هاجس الثورات والديمقراطية يلجؤون إلى الكيان
الصهيوني من جديد لكي يوفر لهم الحماية ضد رياح الديمقراطية من جهة، ولكي يخلصهم
من حركة حماس التي تتشبث بالمقاومة وترفض التسوية والانبطاح، وما يضيف لعملية
الاستهداف نكهة أخرى هي أن هذه الحركة تشكل واحدة من أهم روافع تيار الإسلام السياسي
في المنطقة.
في المقابل،
فإن الثمن الذي يريده نتنياهو لدعم إجهاض ربيع العرب هو تأمين الغطاء لعملية
استهداف لحركة تشكل إزعاجا له، ليس في قطاع غزة وحسب، وإنما في الضفة أيضا، ذلك أن
عينه لم تكن مصوبة على قطاع غزة، فقد خرج منه كيانه ولا يفكر في العودة إليه، وحتى
لو حصل أن احتله من جديد (ولن يتمكن بإذن الله)، فهو لن يبقى فيه وسيسلمه لمحمود
عباس مباشرة، أو لمحمد دحلان، بل يصوب نظره نحو القضية برمتها، أي دفنها تماما في
دهاليز التسويات المشوَّهة.
قطاع غزة ليس
جزءا من الكيان الصهيوني بحسب اعتقاد قادته، وهم لا يريدونه أصلا، ولو أخذته مصر
منذ سنوات بعيدة لأعطوها إياه، لكنهم يرون الحقيقة ممثلة في أن حماس تعتبره قاعدة
للمقاومة من أجل كل فلسطين، وليس دولة مستقلة، ولو قبلت بهذا المنطق، ولم تتسلح
وحافظت على هدوء كامل، لما فكروا في استهدافه.
عين نتنياهو
اليوم مصوَّبة نحو استغلال الظروف المتاحة في كل المنطقة، من أجل فرض ما يريده في
الصراع مع شعب فلسطين، وليس لديه سوى محود عباس الذي أثبت أن أحدا لا يجاريه في
السياسات التي تخدم الاحتلال، ولا قيمة لحكاية الثوابت التي يعلن التشبث بها ما
دام يقدم معظم ما يريده المحتلون، بخاصة على صعيد الأمن.
إنهم يريدون
شطب حماس وما راكمته من سلاح، ليس فقط من أجل التخلص من صداعها وصداع القطاع، بل
من أجل ضربها على نحو لا يكون بوسعها أن تتمرد على مسار عباس الراهن، وتقبل به
وتتعامل معه، وتغدو قوة معارضة فقط في كيان يسمى دولة، ولو لم يكن له إلا 12% من
فلسطين، مع سيطرة على أجوائه ومعابره.
هذه هي حقيقة
الاستهداف، وتلك حقيقة المؤامرة التي تتعرض لها حماس، ويتعرض لها قطاع غزة، بل
تتعرض لها الأمة. إنهم ببساطة يريدون استغلال هذه الأجواء الاستثنائية في المنطقة
في فرض حل سياسي، وأقله مسار سياسي في فلسطين يريحهم إلى أمد طويل، ولذلك فحماس
هنا لا تدافع عن قطاع غزة ولا عن نفسها كحركة، بل تقاتل من أجل أن تبقى القضية
برمتها حية، ومن ورائها أمة تصر على الحرية والتحرر، وتواصل مسيرة نضالها لأجل ذلك
مهما كلف الثمن.
الجزيرة نت،
الدوحة، 21/7/2014