القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

فاطمة بوابة اللجوء... والعودة

فاطمة بوابة اللجوء... والعودة

سامر مناع

تصرّ فاطمة (أم سعيد، 84 سنة) في الخامس عشر من أيار (مايو) من كل عام، وعلى رغم كِبر سِنها على مشاركة أولادها وأحفادها في احياء ذكرى النكبة عند «بوابة فاطمة»، في تظاهرة شعبية وطنية يشارك بها الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين في لبنان. تستحضر العجوز عند رؤية وطنها فلسطين خلف الاسلاك الشائكة سلسلة صور ومشاهد حُفرت وترسخت في ذاكرتها طوال اثنين وستين عاماً من اللجوء.

تقع بوابة فاطمة في قرية كفركلا الجنوبية التي يفصلها الطريق العام عن مستعمرتي «المطلة» و «مسكاف عام» عند الحدود اللبنانية الفلسطينية، لذلك عانت القرية من الممارسات الاسرائيلية الهمجية طوال عشرات السنين، وكانت البوابة قبل النكبة احد المعابر الرئيسية بين لبنان وفلسطين، تقول الرواية عن سبب تسميتها بـ فاطمة أنه خلال الاحتلال الاسرائيلي، وحين جاءت أمرأة تحمل طفلتها من القرية لمساعدة الشباب المناضلين وقع اشتباك عنيف، وفقدت الأم طفلتها التي لم تتجاوز السنتين وأخذت تنادي عليها: «فاطمة...فاطمة»، أصيبت المرأة قبل أن تجد طفلتها، ومنذ تلك اللحظة أطلق على البوابة أسم «فاطمة». بعد الانسحاب الأسرائيلي عام 2000، تسلم الجيش اللبناني مسؤولية منطقة الشريط الحدودي، ومنذ تلك اللحظة يتعذر على الفلسطينيين رجالاً ونساءً واطفالاً دخول المنطقة الا بتصاريح خاصة.

تجلس أم سعيد هذه السنة على حجر عند «بوابة فاطمة» أو «بوابة الوطن» كما تسميها، ويجلس بجانبها عدد من أحفادها الكُثر الذين اجلستهم تباعاً في المكان وقبلهم أولادها وبناتها لتقص عليهم «حكاية اللجوء»، تتوسط الأحفاد الطفلة فاطمة أصغرهم وأكثرهم تعلقاً بالجدة وحكايتها.

تجاوز عدد القرى الفلسطينية التي هجّر اهلها خلال النكبة 530 قرية معظمها يقع شمال فلسطين وبخاصة في مدن عكا وحيفا ويافا، ويطلق الفلسطينيون في لبنان اسماء تلك القرى والمدن على أحياء وزواريب المخيمات والتجمّعات وكذلك على مدارس «أونروا».

تشير أم سعيد الى أحدى التلال المقابلة وتقول: «خلف تلك التلة تقع قريتي التي تركتها وعائلتي منذ 62 عاماً بعد انتشار أخبار المجازر التي كانت تقوم بها العصابات الصهيوينة، قرر جدي وأبي أرسالنا الى لبنان ريثما تتبيّن حقيقة الأخبار، تجمعنا وجيراننا في وسط القرية بعد أن اقفل والدي باب المنزل بإحكام، انطلقت القافلة في فجر الثالث عشر من أيار 1948 نحو لبنان. انقسم رجال القرية، فبعضهم بقي لحراسة البيوت بالبنادق وما تيسّر من الأسلحة البيضاء، بينما رافق الآخرون القافلة بما فيها من أطفال ونساء، تولى جدي لأبي «خضر» قيادة القافلة حتى أوصلنا الى لبنان قبل أن يعود ومن معه من الرجال الى القرية» بعد نكبة فلسطين (15 أيار 1948)، وصل الى لبنان 110 آلاف لاجئ، شكلوا نحو 14 في المئة من مجموع اللاجئين في شكل عام (750 الف لاجئ). خلال 62 عاماً تضاعف عدد اللاجئين في لبنان أربع مرات ليصل الى 445 الف لاجئ (الأونروا 2010). يعيش 68 في المئة منهم في 12 مخيماً و21 تجمّعاً منتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية وفقاً للتالي: في بيروت هناك مخيم مار الياس (الأصغر)، وتجمّعات: الشاليهات، صبرا، الداعوق والغربي. في جبل لبنان هناك مخيمات: برج البراجنة، شاتيلا وضبية. في صيدا هناك مخيما عين الحلوة (الأكبر) والمية ومية، وتجمّعات: البركسات، السكة، أوزو والمدينة الصناعية اضافة الى تجمّع وادي الزينة على الساحل بين بيروت وصيدا. في صور هناك مخيمات: البص، البرج الشمالي، الرشيدية، وتجمّعات: كفربدا، العرش، العبّ، الواسطة، القاسمية، شبريحا، البرغلية، العيتانية، جل البحر، المعشوق. وفي طرابلس مخيما البداوي ونهر البارد (مدمر حالياً). وفي البقاع هناك مخيم الجليل (ويفل)، وتجمعات بر الياس وسعدنايل. يعيش 38 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين خارج المخيمات والتجمّعات معظمهم في العاصمة بيروت.تتابع الجدة: «واصلت القافلة طريقها بين الجبال وصولاً الى احدى القرى اللبنانية التي استقبلنا أهلها بقلوب يعتصرها الألم، أقمنا أياماً في مدرسة دينية بانتظار أخبار عن جدي ولكن من دون جدوى، تعاون ولدي وبعض الرجال على تأمين الطعام والشراب بانتظار عودة تأخرت كثيراً عن موعدها، مرت الأيام طويلة ومليئة بالشوق والحنين والألم وتنقلنا بين أكثر من مكان الى ان وضعنا الرحال عند شاطئ صور. لم تحمل تلك الأيام أية أخبار عن مصير من بقي حارساً للبيوت سوى ما حمله المذياع عن المجازر الصهيونية المتنقلة التي دفعت أهالي القرى المجاورة للجوء الى لبنان وسورية والأردن كذلك حملت أخبار الجيوش العربية وانتصاراتها الوهمية». تصمت الجدة قليلاً بعد ان تهب نسمة جنوبية باردة ومنعشة تملأ رئتيها، تتنهد الجدة وتكمل: «بعد مرور شهر على النكبة جاء عمي وجلس مع والدي بعض الوقت وقام والدي وجلس عند البحر وافته أمي وبقيا هناك حتى منتصف الليل، أخبرتني والدتي ليلتها نبأين، الأول أن جدي «خضر» استشهد امام عتبة الدار، والثاني انه لن تكون هنا عودة قريبة الى الوطن».قبل ان تتأهب فاطمة العجوز الثمانينية للرحيل، تنظر الى عيون حفيدتها الطفلة فاطمة عند «بوابة فاطمة»، وتقول لها: «ذات يوم ستجلسين على الطرف الآخر من البوابة وتقصين على أولادك وأحفادك حكاية اللجوء....والعودة».

المصدر: الحياة