فتح وحماس إلى
الخلاف مجدّداً بعد انتهاء الحرب
عدنان أبو عامر
لم يكد
الفلسطينيّون في غزّة يوقفون الحرب مع إسرائيل في 26/8، حتّى اندلعت مواجهة جديدة
أخرى غير مسلّحة هذه المرّة، بين الإخوة الأعداء، "فتح"
و"حماس"، حيث بدأت حال من التّوتر تطغى على الواقع الفلسطينيّ، بعد
الوفاق الذي عاشته الساحة الفلسطينيّة طوال أيّام العدوان الإسرائيليّ على غزّة.
لقد فاجأ
الرّئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس الأوساط المحليّة مساء 29/8 بتحميله
"حماس" مسؤوليّة إطالة أمد الحرب الإسرائيليّة على غزّة، لأنّها أصرّت
على مناقشة المطالب أوّلاً قبل وقف إطلاق النّار، وأنّ الشعب الفلسطينيّ غير
مستعدّ لمذبحة كلّ سنتين.
أكّد مسؤول
كبير في "حماس" في حديث لـ"المونتيور" أنّ "الحركة
اتّخذت قراراً داخليّاً بعدم الردّ على أيّ تصريحات قد توتّر الساحة الفلسطينيّة،
بما فيها المنسوبة للرّئيس عبّاس". وجدّد رفضه "الانجرار لمعارك جانبيّة
مع أيّ من الأطراف الوطنيّة"، وقال: "أمامنا استحقاقات كبيرة لمرحلة ما
بعد الحرب، وكلّها في حاجة إلى توافقات داخليّة بنسبة مائة بالمائة، وأيّ انتكاسة
في الموقف الفلسطينيّ الموحّد تعني مزيداً من المعاناة لأبناء شعبنا في غزّة، وهذا
ما لا نريده أبداً".
لكن الوضع
الميدانيّ في الضفّة الغربيّة شهد ملاحقات واستدعاءات شنّتها الأجهزة الأمنيّة
الفلسطينيّة مساء 30/8، في صفوف كوادر "حماس" المشاركين في مهرجانات
الاحتفال بانتهاء حرب غزّة بمدينتي رام الله وطولكرم.
وأصدرت حماس
بياناً دعت فيه حركة "فتح" إلى التحرّك الفوريّ، ولجم هذه الاعتداءات،
لأنّ الوحدة الوطنيّة التي تجلّت في حرب غزّة تتعرّض لهجمة ممنهجة لتحطيم معنويّات
شعبنا، وسرقة الأمل من قلوب أبنائه.
وأكّد عدنان
الضميري، وهو النّاطق باسم الأجهزة الأمنيّة في الضفّة الغربيّة في 31/8 أنّ
منظّمي المهرجانات خالفوا القانون بخروج بعض أنصار "حماس" عن هدف
المهرجان الأساسيّ، من خلال تواجد مقنّعين في المكان، ممّا أسفر عن اعتقال أحدهم
ومصادرة رايات ولافتات للحركة بحوزته.
إنّ التوتّر
الآخذ في التّزايد بين "فتح" و"حماس" فور انتهاء حرب غزّة
بصورة مفاجئة، تزامن مع اللغط الذي ثار على خلفيّة اقتراب موعد صرف رواتب موظّفي
الحكومة لشهر أغسطس الماضي بعد أيّام قليلة.
فقد أعلن
النّاطق باسم حكومة التّوافق إيهاب بسيسو في30/8، أنّ رواتب الموظّفين الحكوميّين
ستصرف في موعدها، على أن يتمّ تحويل دفعات للموظّفين الذين عيّنتهم
"حماس" في غزّة، في أقرب وقت ممكن.
وأشار موسى أبو
مرزوق، وهو نائب رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس" مساء 31/8 أنّه سيتمّ
صرف رواتب موظفي الحكومة السابقة في غزّة مع نزول الرواتب لجميع الموظفين من دون
استثناء.
وقال مسؤول
فلسطينيّ كبير، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"المونيتور": "إنّ
السلطة الفلسطينيّة ليست متأكّدة من قدرتها على دفع رواتب جميع موظّفي حكومة
"حماس" السّابقة، لأنّها بالكاد توفّر رواتب موظّفي الحكومة الرسميّين في
الضفّة وغزّة، ممّا يعني إمكان نشوب أزمة ماليّة خانقة إن تمّ صرف رواتب لموظّفي
غزّة"، رافضاً تأكيد أو نفي ما ذكره أبو مرزوق عن "وجود اتفاق في هذا
الشأن بين فتح وحماس".
لقد علم
"المونيتور" من أوساط داخليّة في "حماس" أنّ "الحركة في
صدد البحث عن بدائل سياسيّة وشعبيّة لم تكشف عنها للضغط على السلطة الفلسطينيّة
لإلزامها بدفع رواتب جميع الموظّفين من دون تمييز، لا سيّما من عانى كثيرا طوال
أيّام الحرب من موظّفي وزارات الصحّة والدفاع المدنيّ والداخليّة.
هناك ملفّ ثالث
احتلّ حيزاً من خلافات "فتح" و"حماس" الأخيرة، تمثل في إعادة
إعمار غزّة بعد الحرب، مع بقاء مئات آلاف الفلسطينيّين في مراكز الإيواء المنتشرة
في مدن القطاع من دون إيجاد حلّ لهم.
ولقد اتّهم
الرّئيس عبّاس في 29/8 "حماس" بتشكيل حكومة ظلّ في غزّة من خلال وكلاء
الوزارات الذين عيّنتهم قبل استقالة حكومتها في يونيو الماضي، وهو ما لا يمكّن
حكومة التّوافق الوطنيّ من العمل في غزّة، بسبب تحكم "حماس" في كلّ
كبيرة وصغيرة، بما فيها المساعدات المقدّمة إلى الفلسطينيّين، مشددا على أنّ حكومة
الوفاق الوطنيّ ستتولّى مسؤولية توزيع المعونات، وموادّ الإغاثة، وإطلاق عمليّات
إعادة الإعمار، عبر التعاون والتنسيق مع المؤسّسات الدوليّة والفلسطينيّة، ولن
نسمح بأن تكون هناك جهة ثانية أو حكومة ظلّ في غزّة.
وأكّد سامي أبو
زهري، وهو النّاطق باسم "حماس" في غزّة في حديث لـ"المونيتور"
أنّ "هناك مئات الآلاف من سكان غزّة في مراكز الإيواء في المدارس، وهم في
ظروف صعبة، فأين حكومة التّوافق منهم؟ وهل عملت وقدمت إليهم شيئاً،
و"حماس" منعتها؟ لذلك، فإنّ "حماس" لن تنتظر حكومة التّوافق
أو غيرها لمساعدة المتضرّرين من العدوان الإسرائيليّ، ولن تدّخر جهداً للتخفيف من
معاناتهم. ومن يريد أن يعتبر مساعدة شعبنا حكومة ظلّ فليعتبرها. لذلك، لا بدّ من
تشكيل لجنة وطنية عليا من الفصائل الفاعلة في غزّة لتراقب عمليّة إعادة
الإعمار".
وعلم
"المونيتور" من مسؤول في "حماس" أنّ "الأيّام القليلة
المقبلة حرجة جدّاً، وقد تجعل الوضع الفلسطينيّ على مفترق طرق تاريخيّ، فإمّا أن
تضخّ السلطة الفلسطينيّة دماء جديدة في المصالحة الهشّة، عبر وضع حدّ لحال
التّصريحات التوتيريّة ضد "حماس"، ووقف سياسة الاعتقالات السياسيّة في
الضفّة الغربيّة، أو نعود إلى حال الانقسام السيّئة بسبب التراجع في ملفات الرواتب
والإعمار، بجانب أزمة المعابر التي لم تنشر السلطة حرس الرئاسة حولها حتى الآن،
وفقاً لاتّفاق وقف إطلاق النّار الأخير، ممّا يفاقم من معاناة السكّان".
المونيتور