فصل جديد من النزوح
بقلم: ماهر شاويش
لا تزال مآسي اللاجئين الفلسطينيين تتواصل منذ النكبة إلى يومنا الحاضر. فبعد احتلال الكيان الصهيوني أراضيهم سنة 1948، لجأت أعداد كبيرة منهم إلى دول الطوق، ورغم الظروف الصعبة التي كانوا يعيشونها فقد تأقلموا مع وضعهم الجديد وانخرطوا بأقدار متفاوتة في الحياة العامّة وتفاعلوا مع المجتمع. لكنّ إطلالة بسيطة على خريطة توزّعهم تشرح أنّ حياة الاستقرار ظلّت في الغالب بعيدة المنال في البقاع التي لجؤوا إليها. واليوم تتكرّر تجربة المعاناة والمأساة في بلد لطالما كانوا ينعمون فيه بنوع من الاستقرار، وتتأتّى لهم فيه جملة من الامتيازات.
فبفعل ما تعيشه سورية من اضطراب وأزمات؛ بدأ فصل جديد من رحلة الشتات الفلسطيني. فبعض اللاجئين الفلسطينيين في سورية اتّجهوا إلى أماكن خارج نطاقات سكناهم ضمن الحدود السورية طلباً لملاذ آمن، واضطر آخرون إلى مغادرة البلاد بالكامل ليعيشوا فترة عصيبة لا تخلو من حياة قاسية جداً، مرغمين فيها على تجربة لجوء جديدة. أمّا من بقي منهم في مخيمه فإنه يعيش حالة من الترقّب الحذِر.
هي تجربة جديدة تمزِّق شمل العائلة الواحدة في كثير من الحالات، ليتكرّس السؤال القديم الجديد عن المصير والمستقبل المجهول. فإلى متى يبقى اللاجئ الفلسطيني يتقلّب بين الهجرة واللجوء والنزوح؟إلى متى يظلّ متنقِّلاً بين أصقاع الدنيا تتقاذفه الخطوب؟ هل كُتب عليه أن يعيش في أتون كلّ معركة داخلية لكافة أقطار الوطن العربي على أن يمثِّل فيها دور الوقود ويكون حطبها الذي تستعر به؟
ورغم إحساسه العميق بمحن الأشقاء في بلاد العرب، ومعايشته الدافئة لخطوبهم؛ فإنّ اللاجئ الفلسطيني سئم سيناريوات متكرِّرة ومشهودة من قبل، وملّ طقوس الحروب والأزمات الداخلية والبينية التي طالما ألبسته ثوب الضياع والتشرّد وأجبرته على أن يدفع أثمانها الباهظة.
هي المحنة المتجددة التي تتنزّل على أقدم مجموعات اللاجئين في العالم الحديث وأكبرهم عدداً، بملايينهم السبعة المشتتين في الأرض، محنة لا تتوقف ما دامت قضيتهم عالقة وحقهم الراسخ في العودة إلى أرضهم وديارهم السليبة محجوباً عنهم.
ما جدوى أن يُقال في كلِّ مجمع ومحفل عالمي إنهم ليسوا كبقية اللاجئين؟ مافائدة أن يُفرِد لهم المجتمع الدولي معاملة خاصة ضمن اتفاقات دولية متعلقة بهم؛ على أساس أنّ الهدف من ذلك هو مزيد من الحماية لهم؟ أمّا الواقع فيؤكد مجدداً أنه مع إرهاصات أيِّ اضطراب في رقاع وجودهم تجري التعمية على كل ذلك ويعيش اللاجئون الفلسطينيون محرومين أدنى حقوق الإنسان الأساسية المكرّسة في القانون الدولي؛ مثل الحقّ في مستوى معيشي كافٍ، والحقّ في حرية التنقل، وفي العمل، فضلاً عن الوصول إلى حلول دائمة لوضعيتهم.
التطوّرات الأخيرة في سورية تؤكد أهمية الرسالة التي على العالم أن يعي مغزاها، بأنّ مشروع اللاجئ الفلسطيني في أي مكان هو العودة والتحرير، وأنّ حق العودة غير قابل للتصرّف لأنه من الحقوق الثابتة والراسخة التي لا تنقضي بمرور الزمن. فمثله مثل بقية حقوق الإنسان المنصوص عليها في الاتفاقات الدولية لا يمكن أن تسقط عن أحد ولا يصحّ التنازل عنها أو تعديلها. وعليه لا يُعتدّ قانونياً بأيِّ اتفاقات أو مفاوضات تلغي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. على هذا العالم أن ينصاع لكلِّ ما مفاده دعم هذا الحقّ وترسيخه واقعاً ملموساً، وربما كان هذا مطلوباً من القريب قبل البعيد، بما يفرض على الجميع عدم الزجِّ باللاجئ الفلسطيني في ما لا طائل منه، وفي ما لا يتّفق ومشروعه الواضح، لتبقى البوصلة دائماً وأبداً فلسطين.
المصدر: مجلة العودة ـــ العدد التاسع والخمسون