فضيحة تحت علم الأمم
المتحدة
بقلم: حسام شاكر *
يذهب التلاميذ إلى
مدارسهم فيجدونها مغلقة، وهذا بتعليمات فوقية من الأمم المتحدة. كاد هذا أن يحصل
بالفعل مع بدء العام الدراسي الحالي، ثم قرّر السادة الجالسون في الهيئات الدولية
تداركه في اللحظة الأخيرة.
خلفية الحدث أنّ وكالة
غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تشكو من أنّ المجتمع الدولي
لا يفي بالتزاماته المالية نحوها. كادت الأزمة الخانقة أن تتسبب بإغلاق شبكة
المدارس التي تديرها الوكالة منذ ثلثي قرن في فلسطين ولبنان والأردن وسورية،
بالإضافة إلى إجراءات تقليص أخرى. وقد جرى الاستعداد بالفعل لتأجيل العام الدراسي
وإبقاء التلاميذ عالقين في أزقة مخيماتهم البائسة التي تتقاسمها بلدان أربعة. ثم
قيل لأولياء الأمور في اللحظة الأخيرة إنّ القرار المفزع تم العدول عنه، ولكن لن
نضمن لأبنائكم عاماً دراسياً تالياً، وهذا حتى إشعار آخر.
هل هناك عبث أكثر من
هذا؟! مضت الفضيحة بلا ضجيج تقريباً، رغم أنّ تعطيل "الأونروا" يعني
إشعال أزمات اجتماعية واقتصادية فورية في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الذي يقف
أساساً على شفير الهاوية في قطاع غزة ولبنان وسورية.
إنّ
"الأونروا" هي من أهم مشغِّلي قوة العمل الفلسطينية، وهي تقدم خدمات
تعليمية ومهنية وصحية وإغاثية متعددة لا غنى عنها لخمسة ملايين لاجئ سرقت سلطات
الاحتلال الإسرائيلية أرضهم وديارهم ومواردهم. ما ينبغي قوله بوضوح إنّ ما جرى كان
تلاعباً مريعاً بمعنويات شعب كامل، وهو على أي حال تهديد بتفجير المجتمع الفلسطيني
من داخله.
لنتصوّر أن يحدث مثل هذا
في سويسرا الرائعة، بلد السيد بيير كرينبول، المفوض العام للوكالة التابعة للأمم
المتحدة، وأن أبناءه الثلاثة لم يكن بوسعهم الجلوس على مقاعد الدراسة لأنّ هناك من
يبخل عليهم.
ولكن؛ من يصدق حقاً أنّ
المجتمع الدولي يعجز عن حل أزمة مالية كالتي تعاني منها وكالة من وكالاته؟ وكيف
لمنظومة الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز أن تدفع بأجيال الفلسطينيين إلى مستنقع
الجهل المبرمج واستشراء الأمراض على هذا النحو الفجّ؟! ألا تعني هذه المجازفات
بمصائر المجتمع الفلسطيني مزيداً من التيئيس والتثبيط وفقدان الأمل، والدفع إلى
تهجير اللاجئين في رحلات المخاطرة المعهودة بحثاً عن مقومات الحياة؟!
ولأنّ المجتمع الدولي لا
يعبأ بالمنشادات الأخلاقية المعهودة؛ فقد أنتج فريق وثائقيات فلسطيني فيلماً
قصيراً يشرح القصة: يخرج تلميذ من بيته في مخيم اللاجئين إلى المدرسة، فيجد
بوابتها المطلية بلون الأمم المتحدة موصدة، مع إعلان يفيد بإغلاقها بسبب العجز
المالي. لم تنته القصة، فذهول التلميذ ينتهي به إلى عربة دفع رباعي يقودها قساة
ملثمون، يختطفونه إلى مهمة انتحارية غير معلومة. رسالة الفيلم واضحة؛ بأنّ عجز
المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته نحو "الأونروا" سيلقي بأجيال
الفلسطينيين في بئر التطرف المسلح. هو فيلم ذكي، لأنه يخاطب المجتمع الدولي بما
يفهمه، فليست المعضلة في تجهيل الأجيال الفلسطينية وإفقارها؛ وإنما التطرف هو ما
يحظى بأولوية الاهتمامات الدولية في هذه الرقعة من العالم.
* باحث ومؤلف واستشاري
إعلامي