القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

فلسطين أكثر من قرارات دولية

فلسطين أكثر من قرارات دولية

بقلم: ناجي صادق شراب

تختلف القضية الفلسطينية عن كل القضايا والنزاعات الدولية التي عرفتها الأمم المتحدة، فالقضية الفلسطينية تتسم بتشابك عناصرها إلى درجة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر، وهذا التداخل والتناقض في الوقت نفسه هو الذي يعكس الفشل وعدم القدرة في الوصول إلى تسوية لهذه القضية، مثل أي نزاع دولي آخر.

البعد الآخر للقضية الفلسطينية هو أنها ليست مجرد صراع على قيام دولة فلسطينية وقضية تحرر وإنهاء احتلال، بل تعدد قضاياها الذي يقف وراء استمرارية هذا الصراع وديمومته، مثل اللاجئين والقدس والمياه والمستوطنات، ما يعني أنه حتى مع قيام الدولة الفلسطينية تبقى هذه القضايا قائمة.

البعد الثالث للصراع هو تداخل أبعاده الدينية والقومية والأيديولوجية، ما يضفي عليه صراعاً وجودياً أبدياً. ولعل ما يميز هذا الصراع، الإدراك أن الفلسطينيين يشكلون شعباً، ولهم سلطة معترف بها، وأن لهم حقوقاً تاريخية وسياسية في قيام دولتهم المستقلة. ورغم هذا الإدراك تنفرد القضية الفلسطينية عن كل القضايا الدولية بتعدد القرارات التي صدرت في شأن تسويتها، وتنوع هذه القرارات، من قانونية وسياسية وإنسانية وثقافية تربوية، وقرارات تتعلق بالطفولة الفلسطينية، وتعدد مستوياتها، من قرارات أممية صدرت على مستوى الأمم المتحدة بكل فروعها، وأخرى صدرت عن المنظمات الدولية الوظيفية، مثل اليونيسكو واليونيسيف، وقرارات صدرت على المستوى الإقليمي، خصوصاً مـــثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وحتى بعض المنظمات الإقليمية غير العربية، مثل

منظمة الوحدة الأفريقية. وما تتميز به القضية الفلسطينية أيضاً قبول فلسطين عضواً في كل هذه المنظمات الدولية والوظيفية والإقليمية بدرجات متفاوته تصل إلى حد العضوية الكاملة في الجامعة العربية والدولة المراقب في الأمم المتحدة. ومهما كانت هذه الصفة كاملة أو غير كاملة، إلا أن الأساس هو الدولة، فالاعتراف بالدولة قائم ومقر به دولياً.

مــنذ نشأة القضيـــة الفلسطينية وحتى اليوم صدرت مئات الــــقرارات الدولية المتعلقة بها، والتي وفرت أسساً شرعية لكل المطالــب الفلسطينية، أبرزها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام دولته المستقلة، وبطلان كل الإجراءات والسياسات التي نفذتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وكأننا هنا أمام معادلة معكوسة: إرادة وقرارات دولية تؤيد حق الفلسطينيين في قيام دولتهم المستقلة، وإرادة دولة واحدة ترفض الالتزام والتقيد بهذه القرارات.

وقد تكون الإجابة بديهية وهي أن كل هذه القرارات الدولية والإقليمية ليس لها صفة الإلزام بسبب الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وأن هذه القرارات لم تصدر استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي أصبحت إسرائيل في حل من تنفيذ هذه القرارات.

قـــد يكـــون هذا التفسير سليماً من الناحية الإجرائية القانونية، لكن يبقى لهذه القرارات أساسها الأخلاقي والسياسي الملزم أولاً لإسرائيل، وثانياً، على الدول التي تبنت هذه القرارات. وثالثاً، توفر هذه القرارات الأساس الشرعي الذي لا يسقط بالتقادم لكل الخيارات الفلسطينية والتحركات الديبلوماسية والسياسية.

ورابعاً، تشكل القرارات الخيار الأساسي للفلسطينيين، والمطلوب منهم إحياء هذه القرارات وتفعيلها على كل المستويات الدولية والثنائية، والعمل على تحويلها إلى سلوك سياسي داخل الدول ذاتها، ومن ثم تحويلها إلى قرارات سياسية داخلية، كما في الاعترافات البرلمانية في عدد من الدول، وهذا لا يكفي بل تحولها إلى قرارات ملزمة لحكومات الدول وتبنيها في علاقاتها بإسرائيل لتتحول إلى قوة ضغط لثني إسرائيل عن المضي في رفض هذه القرارات، وإلا قد تتحول إلى سياسات وقرارات عزلة ومقاطعة وعقوبات دولية على مستوى هذه العلاقات. من هذا المنظور يمكن الاستفادة من هذه القرارات الدولية.

وهناك بعد آخر مهم في هذه القرارات على المستوى الفلسطيـــني، وهــــو ما يعنـــي تبني استراتيجية التمرد على الأمر الواقع واتخاذ قرارات وسياسات فلسطينية تتوافق وقرارات الشرعية الدولية، بمعنى أنه من حق الفلسطينيين اللجوء إلى كل الخــيارات والوسائل والآليات التي تنهي الاحتلال الإسرائيلي، مثـــل المقاومة السلمية والمدنية وحتى العسكرية، بما لا يتعارض والشرعية الدولية، مثل الابتعاد عن الأعمال المضرة كالعمليات فـــي داخـــل إسرائيل والتي أضرت بالقضية الفلسطينية واستفادت منها إسرائيل في تصوير المقاومة الفلسطينية بأنها إرهاب.

والأمر الآخر بالاستفادة من هذه القرارات ليس فقط بالانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية، بل نقل الصراع إلى دائرة جديدة لم تتعود عليها إسرائيل، أو بالأحرى تدرك إسرائيل أنها خاسرة فيها، وحتى تؤتي هذه القرارات فاعليتها، على الفلسطينيين أن يتحملوا كل التداعيات السياسية والمالية التي قد تفرض عليهم، فالقرارات الدولية تحتاج إلى وقت وقدرة وقوة لتنفيذها وتحولها إلى أمر واقع. وهذا ما افتقرت إليه هذه القرارات، القوة التنفيذية الملزمة على إسرائيل، وهذا ما ينبغي أن يقوم به الفلسطينيون ومعهم الدول العربية والصديقة والداعمة لحقوقهم: كيف نحوّل القرارات الدولية قرارات ملزمة؟

المصدر: الحياة