فلسطين...
التقسيم والتضامن مع شعبها
بقلم: عبد
الستار قاسم
يصادف يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام ذكرى إصدار الجمعية العامة للأمم
المتحدة قرار تقسيم فلسطين، وهو القرار الذي قصم ظهر الشعب الفلسطيني، وأدى إلى
تهجيره واستيلاء الصهاينة على حوالي 77% من مساحة
فلسطين الانتدابية التي صنعها البريطانيون على حساب وحدة الديار الشامية. وكان ذلك
التقسيم تفريخاً عن اتفاقية سايكس بيكو التي عقدت بين الاستعمارين الغاشمين
الفرنسي والبريطاني، والتي قضت بتقسيم الهلال الخصيب العربي بين الاستعمارين. تم
تخصيص سورية الشمالية للاستعمار الفرنسي، وسورية الجنوبية مع أرض العراق للاستعمار
البريطاني.
جاء صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم عام 1922 ليؤكد على تمزيق بلاد الشام، وأنيط ببريطانيا الانتداب على
فلسطين، بشكلها القائم حالياً، على أن تنفذ وعودها الدولية. لم يذكر صك الانتداب
وعد بلفور المشؤوم، لكن الوعود الدولية كانت تعني تنفيذ الوعد بتحويل فلسطين إلى
وطن قومي لليهود الصهاينة الذين حولوا خطابهم فيما بعد من وطن قومي لليهود إلى
إقامة دولة يهودية في فلسطين.
وقد مارست بريطانيا سياسة ممنهجة في فلسطين، من
أجل إقامة دولة لليهود على أنقاض الشعب الفلسطيني، فعملت على تقوية اليهود عسكرياً
وأمنياً وعمرانياً واقتصادياً، وسمحت لهم بإقامة مؤسسات مختلفة، تحضيراً لإقامة
دولة، بينما عملت، بصورة متعمدة وحقيرة، على إضعاف الشعب الفلسطيني، فلاحقت
أسلحتهم وأفقرت فلاحيهم، وشجّعت على تسريب الأراضي لليهود. بريطانيا هي الدولة
المجرمة التي عملت، بكل طاقاتها، من أجل تجريد الشعب الفلسطيني من وطنه، وإلقائه
في المنافي ومخيمات التهجير.
عندما وجدت بريطانيا أن اليهود الصهاينة أصبحوا
قادرين على إقامة دولتهم، وأن الشعب الفلسطيني قد ضعف بما فيه الكفاية، لكي لا
يعرقل إقامة الدولة اليهودية، ذهبت إلى المؤسسة الاستعمارية الدولية، وهي الأمم
المتحدة لإضفاء شرعية دولية على إقامة الدولة اليهودية الصهيونية.
تلقفت الولايات المتحدة الأميركية التي أخذت
تعادي الفلسطينيين والعرب، بدون مبرّر، الأمر، وحزمت توجهها إلى انتزاع قرار من
هذه الهيئة، لتقسيم فلسطين، بطريقة يكون لليهود منها نصيب الأسد. طرحت الولايات
المتحدة الفكرة التي لم تكن جديدة، إذ أوصت لجنة بريطانية عملت في فلسطين عام 1937 بتقسيم فلسطين، لكن الفلسطينيين واليهود رفضوا المشروع الذي سمي
مشروع لجنة بيل، كل لأسبابه الخاصة. بدأت أميركا نشاطها التقسيمي، ووجدت أن
الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست ذاهبة باتجاه التقسيم، إذ يتطلب قرار التقسيم
موافقة ثلثي الأعضاء لإقراره. لجأت أميركا، بعد ذلك، إلى ممارسة الضغوط على الدول
المستضعفة، من أجل التصويت لصالح التقسيم، وقدمت إغراءات مادية مجزية لدول عديدة،
وكانت كوبا، قبل فيديل كاسترو، آخر دولة تقدم لها أميركا المال، من أجل التصويت،
وفعلاً تم ذلك.
جمعت أميركا بالفعل ثلثي أصوات الجمعية العامة
للأمم المتحدة، وصدر قرار التقسيم رقم 181 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، والذي قضى
بإقامة دولتين، إحداهما يهودية، تقوم على ما مساحته 53% من مساحة فلسطين، وعربية تقوم على حوالي 44%. بينما قرّرت تدويل حوالي 3% من المساحة، وتضم منطقة القدس، وجزءاً من منطقة بيت لحم. وهكذا
قرر من لا يملك انتزاع ملكية من يملك لصالح من لا يملك ولا حق له بتاتاً. الأمم
المتحدة مؤسسة استعمارية أقامتها الدول الكبرى التي انتصرت في الحرب العالمية
الثانية، وهي التي تشكل الآن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبدل أن
تقيم هذه الهيئة ميزان العدالة، أقامت ميزان الظلم الذي ما زالت تستخدمه.
بسبب تعاون دول عديدة من أميركا اللاتينية وآسيا
وإفريقيا مع المجموعة العربية في الأمم المتحدة، قرّرت الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام 1977 اعتبار يوم
تقسيم فلسطين، 29
نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، يوماً دولياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وبدأ
يشهد هذا من كل عام فعاليات متنوعية، خصوصاً من الفلسطينيين وممثليات منظمة
التحرير على المستوى العالمي، لتذكير العالم بمأساة الشعب الفلسطيني.
المهم أن قرار التقسيم قد نفذ جزئياً، بقيام
دولة اليهود الصهاينة، في حين لم تقم الدولة العربية الفلسطينية. على الرغم من
صدور قرارات كثيرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح الشعب الفلسطيني، وحقه
في تقرير المصير، إلا أنها بقيت بدون تطبيق، والسبب أن الدول الاستعمارية الغربية
معنية بتقوية إسرائيل، وإضعاف الشعب الفلسطيني، ويبدو أن الحق للقوة وليس لميزان
العدالة. ولم يستفد الشعب الفلسطيني، حتى الآن، من هذا التضامن، على أرض الواقع،
وكل ما جناه هو مزيد من القرارات الدولية غير المطبقة، أو التي لا تسمن ولا تغني
من جوع. بالتأكيد، على الشعب الفلسطيني أن يستجمع القوى، إذا أراد أن يحصل على
حقوقه الوطنية الثابتة.
المصدر: العربي الجديد