القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

فلسطين بعد الصفقة الإيرانية

فلسطين بعد الصفقة الإيرانية

هشام دبسي*

جرى تسليم السلاح الكيميائي السوري، تحت ضغط التلويح باستخدام القوة العسكرية الأميركية. كما جرى بالأمس التسليم الإيراني، بالعزوف عن إنتاج السلاح النووي، تحت ضغط العقوبات الدولية، وضغط أغلبية الشعوب الإيرانية التي صوتت لصالح الرئيس الحالي.

هكذا تم التخلص من حيث المبدأ من سلاحين استراتيجيين، لطالما استخدمتهما "إسرائيل” ذريعة (تهديد وجودي) للإفلات من الاستحقاق الفلسطيني.

المهم الآن بعد الصفقة الإيرانية مع المجتمع الدولي الغربي، رصد جوهرها الأساس، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة الآنية.

في العمق الصفقة هي عنوان انتقال الجمهورية الإيرانية، من موقع التحدي والشغب إلى موقع التصالح بعد خصومة مثقوبة، بالعلاقات المستترة أو المكشوفة في مجال شراء السلاح (إيران - غيت) أو الإفادة من الاحتلالات الأميركية لأفغانستان والعراق. حتى بلغ قول المسؤولين الكبار في الجمهورية "لولا طهران لما استطاعت أميركا غزو أفغانستان والعراق".

مسار المصالحة والتطبيع الجديد، ليس قصيراً أو سهلاً، بل هو أيضاً مسار صراعي، إذ لا يمكن قبول نظرية تفيد بأن الغرب يسعى لإخراج إيران من أزمتها أو مساعدتها في ذلك، وعليه فإن السياسة الإيرانية الجديدة، أمامها تحديات داخلية وخارجية من أجل إنجاز المصالحة والتطبيع. ومن أجل إنتاج حالة سياسية - اجتماعية قادرة على حماية الخط الجديد في مواجهة قوى التشدد والجمود التي أوصلت إيران إلى عزلتها الدولية وخرابها الاقتصادي.

في هذا المسار الصراعي الجديد، هل تساعد السياسة الإيرانية التصالحية مع الغرب فلسطين؟ بعدما أشبعت سياستها السابقة القضية الفلسطينية شعارات وتدخلات أفضت إلى تغذية الانقسام على المستوى الوطني والجغرافي؟

إن إزالة صور الشيطان الأكبر، عن جدران طهران، تمهيداً لرفع أعلام "كنتاكي وماكدونالد" لا ينسجم مع استمرار لغة "المقاومة والممانعة" وأساليب عملها وتأثيرها على الحالة الفلسطينية. لأن التسليم بالمصالحة مع الغرب، ليست مسألة انتقائية، لطالما أنها تتم وفق شروط الغرب، أيّاً تكن التخريجات التي تحفظ ماء الوجه للمفاوض الإيراني.

وهنا لا بد من التذكير باللغة الإيجابية التمهيدية التي تحدث بها الرئيس روحاني تجاه إسرائيل، قبل إبرام صفقة النووي، إذ غابت عنها عبارات الرئيس السابق أحمدي نجاد من وعيد وتهديد بتدمير "إسرائيل” على لفظيتها وهشاشتها.

لا بل إن دبلوماسية التهنئة بالأعياد اليهودية، شكلت عنواناً للمخاطبة في العهد الجديد. وهذا ما يجعل المرء يرجح أن تتحول السياسات الإيرانية تجاه فلسطين، تحوّلاً تدريجياً باتجاه احترام خيارات الفلسطينيين السياسية واحترام ممثلهم الشرعي والوحيد والكف عن التدخل الفظ بالشأن السياسي والأمني والعسكري الفلسطيني.

إن السياسة الإيرانية الجديدة، التي تقول باحترام سيادات الدول وعدم التدخل بشؤونها في المنطقة، تحتاج إلى ترجمات عملية كي تكسب الصدقيّة، وكي تبرهن على النيات الطيبة، لأنّ المعبر الوحيد لاستثمار هذا التحول في السياسة الإيرانية لصالح فلسطين، هو التفاهم بين القيادة الإيرانية والشرعية الفلسطينية على بناء علاقات تتجاوز أخطاء الماضي، علاقات لا تحكمها الإيديولوجيا بقدر ما يحكمها تلاقي المصالح الفلسطينية والإيرانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية ومواجهة السلاح الذري الإسرائيلي، الذي بات التهديد النووي الوحيد لشعوب المنطقة.

لا شك أن مسيرة العلاقات الفلسطينية الإيرانية بعد صفقة النووي، تتطلب مبادرات من الطرفين لصياغة رؤية إيجابية من الممكن تحقيقها.

* مدير مركز تطوير للدراسات