الإعلامية: سوسن كعوش
مر قضية الأسرى والمعتقلين
الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي جرحا نازفا على مر الأيام، فالذاكرة الفلسطينية
تمتلئ بالتواريخ السوداء، والأيام المحزنة والذكريات المؤلمة، منها يوم الأسير الفلسطيني
الذي يصادف السابع عشر من أبريل/ نيسان من كل عام.
إن قضية الأسرى الفلسطينيين
في زنازين الاحتلال هي قضية معاناة وآلام قاسية ليست على الأسرى وحدهم فحسب، إنما على
عائلاتهم أيضا وهذا يطال شريحة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني التي تعاني مباشرة أو
بشكل غير مباشر جراء هذه القضية الإنسانية.
فمنذ الاحتلال الصهيوني
للضفة الغربية وقطاع غزة، تعرض عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني للاعتقال، رجالا
ونساء ، أطفالا وشباباً، الآلاف قضوا زهرة شبابهم في السجون والزنازين المعتمة، وكثيرون
فقدوا أحبتهم في غرف التعذيب، والآخرون فقدوا أحبة لهم في السجن الكبير- الوطن المصادر-
دون أن تتسنى لهم لحظة وداع.
يقبع اليوم في زنازين
الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 8000 أسير فلسطيني جراء الاعتقالات التعسفية والقمعية
الانتقامية التي تمارسها قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وقد تعرض اكثر من
30 ألف فلسطيني للاعتقال منذ اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، على الرغم من أن عدد
الأسرى لم يكن يتجاوز 500 أسير قبل اتفاقية أوسلو الشهيرة، وعدد المعتقلين قبل بداية
الانتفاضة الثانية لم يتجاوز 2000 أسير، وقد تعرض 3000 آلاف طفل للاعتقال منذ بداية
انتفاضة الأقصى مازال منهم حوالي 500 طفل رهن الاعتقال، واعتقلت أكثر من 400 امرأة
فلسطينية خلال ذات الفترة وما تزال 150 منهن قيد الاعتقال، منهن 25 أسيرة متزوجة، وثلاث
منهن وضعن مواليدهن في السجون، وقد أمضى عدد من الأسرى الفلسطينيين اكثر من ربع قرن
في زنازين الموت الصهيونية، والعشرات منهم مضى على وجودهم في السجون أكثر من 20 عاما،
يعاني حوالي الألف أسير من أمراض مزمنة، وبعضهم يعاني من أمراض نفسية حادة جراء التعذيب
وسوء ظروف المعتقلات.
لقد شهدت الأعوام
الماضية تصاعدا خطيرا في معاملة الأسرى بحسب التقارير الصادرة عن الجهات المهتمة، وتدهورا
واضحا في أوضاع المعتقلين، كما شهدت هذه الفترة سطوع روح انتقامية وعدائية في تعامل
الجنود الإسرائيليين وشرطة السجون مع المعتقلين الفلسطينيين. وبرزت مظاهر سادية متطرفة
في طريقة الاعتقال والاستجواب والمعاملة داخل السجون تحت شعار ما يسمى بمكافحة الإرهاب
الذي اتخذ كمبرر لارتكاب جرائم خرب وأعمال تنكيل واعتداءات تخالف القانون الدولي والإنساني
وتتعارض مع كل القيم والأعراف الأخلاقية والدينية، في ظل صمت وعجز عربي ودولي مخجل.
وأصبح كل مواطن فلسطيني
هو هدفا للاعتقال باستخدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي الحواجز العسكرية التي أقامتها
على مداخل القرى والمدن الفلسطينية، ونصب الكمائن كوسيلة أخرى للاعتقال، إضافة إلى
استخدامها للمعابر والجسور لاعتقال المواطنين أثناء سفرهم أو عودتهم من الخارج. كما
تقدم سلطات الاحتلال على هدم منازل الكثير من المعتقلين كوسيلة عقاب جماعي لعائلة الأسير.
كما تم إبعاد العشرات منهم إلى خارج فلسطين بحجة الإقامة غير الشرعية في وطنهم. وقامت
"إسرائيل” خلال العامين الأوليين من انتفاضة الأقصى بإعدام ما يزيد عن 120 معتقل فلسطيني
فور إلقاء القبض عليهم وهم أحياء.
وعلى الرغم من جميع
الاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع "إسرائيل” ، إلا أن قضية الأسرى كانت
ومازالت مهمشة ، ولم يحصل هذا الملف البالغ الحساسية على الاهتمام الكافي والجدي لمعالجة
هذه القضية الإنسانية وإنهاء حالة المعاناة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيين الذين ذبلت
أعمارهم خلف القضبان.
لا يمكن أن نتوقف
اليوم أمام أسرى الحرية دون أن نشير إلى تميز تجربة الحركة النسوية الفلسطينية الأسيرة
، وان تقاطعت مع مجمل التجربة الجماعية للأسرى إلا أنها أكثر ألما ومعاناة، وتحمل في
خصوصيتها مدى النضج الوطني والوعي الاجتماعي في البيئة الفلسطينية، حيث تشارك المرأة
بدورها الكفاحي إلى جانب الرجل في مقاومة الاحتلال. وتشير مصادر الهيئات المعنية إلى
أن نحو 15 ألف امرأة فلسطينية قد دخلن المعتقلات والسجون منذ بداية الاحتلال الصهيوني.
وشمل الاعتقال فتيات صغيرات وكبار السن بينهن العديدات من الأمهات اللواتي قضين فترات
طويلة في السجون أمثال ماجدة سلايمة وزهرة قرعوش وسميحة حمدان وغيرهن.
وسجل تاريخ الحركة
النسوية الفلسطينية الأسيرة مواقف أسطورية يعجز عنها الرجال كما حصل عام 1996 عندما
رفضت الأسيرات الإفراج الجزئي عنهن على أثر اتفاق طابا، وطالبن بالإفراج الجماعي ودون
ذلك فضلن البقاء في السجون واستطعن أن يفرضن إرادتهن في النهاية ليتم الإفراج عن جميع
الأسيرات عام 1997.
وخاضت الأسيرات معركة
الحرية بعد اتفاق أوسلو تحت شعار لا سلام دون إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات. وشاركن
في النضال إلى جانب بقية الأسرى في كافة المعتقلات الإسرائيلية لتحقيق مطلب الإفراج
ونيل الحرية.
وسيظل مسلخ المسكوبية
شاهدا على الفاشية الصهيونية ، تفوح من جميع زنازينه رائحة الموت والإرهاب، كل متر
من هذا السجن شهد ليالي عذاب وصراخ المرأة الفلسطينية وهي تشتبك مع الجلادين العتاة.
فقد تعرضت الأسيرات
الفلسطينيات لأساليب قمع وحشية أثناء الاعتقال على يد رجال الشاباك الصهيوني، واستخدمت
ضدهن كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي من أجل إركاعهن وتحويلهن إلى نساء ضعيفات محطمات.
إلا أن المرأة الفلسطينية المعتقلة وقفت بتحدي كبير في مواجهة المحققين وأساليبهم التعسفية
واللا إنسانية وتجلت معاني بطولية وأسطورية لديها وهي تقف عنيدة متمردة عصية على التهديد
والتعذيب، فتحملت الكثير من الآلام والتضحيات لحماية كرامتها وشرفها والدفاع عن وجودها
بشكل يدعو إلى الافتخار، فكانت تجربتهن قاسية مليئة بالمعاناة، فخضن معارك صعبة لأجل
تحسين أوضاعهن الإنسانية والمعيشية، عنوانهن الصريح هو التحدي وهو الأسلوب الرئيسي
الذي استطعن من خلاله تحقيق مطالبهن في مواجهة إدارة السجون.
وما تحقق لم يكن
بلا ثمن، بل دفعت الأسيرات ثمنا باهظا له من إهانات وضرب وتعذيب وقمع بالغاز وعزلهن
فترات طويلة بالزنازين، إضافة إلى أن عدد كبير منهن أصبن بأمراض صعبة، لكن النتيجة
كانت إثبات جدارتهن كنساء فلسطينيات مناضلات في سبيل حرية الوطن ، فحولن السجن إلى
مدرسة ثورية، تعززت من خلاله شخصية الأسيرة واكتسبت المزيد من الثقافة والوعي والقدرة
على المجابهة في أقسى الظروف، وظلت الأسيرات الفلسطينيات شوكة في خلق الجلاد الصهيوني.
في يوم الأسير الفلسطيني
، يقف الشعب الفلسطيني في كافة المدن والقرى والمخيمات وفي الشتات والمنافي، ليؤكد
بصوت واحد قوي، الحرية والاستقلال لفلسطين. الحرية لأسرى الحرية. وفي هذا اليوم يقف
الملايين من أنصار الحرية في العالم من أجل حرية الأسرى التي لا يمكن أن تتحقق إلا
بحرية الوطن المسروق.
فشعبنا وأمتنا لن
تنسى الأسرى الذين تقدموا الصفوف، وسيظلون مفخرة الشعب الفلسطيني وروادا للحرية وطلائع
التحرير، والساعد القوي الذي تحدى جبروت الاحتلال وزنازينه وجلاديه.