فلسطين في ذاكرة الكبار في تجمع القاسمية
بقلم: رامي المصطفى
في غربتنا قليلة هي الأشياء التي تذكرنا بأرضنا
ووطننا ..لا سيما مع تزايد مشكلات شعبنا وضيق مخيماتنا، ولكن في كل مخيم وتجمع لا بد
لك أن تجد ما يذكرك برائحة الوطن إذا ما ترنح فكرك بعيداً عن أرض الأجداد.
العقال ،الحطة ، المهباج ، البندقية الانكليزية
، الفنجان ،الكرم... وعلاوة على ذلك شيخ يتكلم وعيناه تذرف دمعاً ممزوجاً بماء قد احتساه
من ينابيع فلسطين، قليل من ماء فلسطين حفظها في عيناه عندما كان صغيراً لكي يخرجها
في وقت قادم ربما يأتي عليه عصيباً ومرّاً، فجاء هذا الوقت وكان وقت والغربة والإبتعاد
عن فلسطين ووقت اللجوء في تجمع القاسمية في مدينة صور جنوبي لبنان.
تمر على بيوت كبار السن في تجمع القاسمية كالحاج
أبو ياسين وأبو يوسف وغيرهم الكثير، فلا تسمع إلا ضربات المهباج من بعيد تأذن لك بالدخول
من غير ميعاد، فتقترب فيشتم أنفك رائحة الكرم المنبعثة من قهوة اعتاد صنعها منذ ظهور
خيوط الصباح الاولى، تجلس مع كل كبير في هذا التجمع، فلا تكاد تقوى على القيام بعدها،
لشدة ما يتكلم عن أرض فلسطين بما تملك من أنهار وأشجار وعادات وتقاليد ،في وسط هذه
الفرحة التي عمت المكان تأتيك غمامة الحزن والأسى لتخيم على المكان، وتسيل دموع الحزن
على خديك بعد أن سالت دموع الشوق والحنين، عندما يتلو عليك الكبار مشاهد الفراق والتهجير
والأسى الذي لاقاه أهلنا عندما أخرجوا من فلسطين.
لسان الحال لا يخلو من ذكر فلسطين في كل مكان وفي
كل ديوان ، يتكلم كبارنا عن فلسطين وعن خيراتها، لكي يغرسوا فلسطين_ بأنهارها وقهوتها
ومدنها وقراها_ في قلوب هذا الجيل الذي اجتمعت كل دول العالم على إبعاده عن القضية
الكبرى ،ألا وهي قضية فلسطين.
في تجمع القاسمية ،لفت نظري أحد كبار السن، وهو
يتجول بين أزقات التجمع وبين حقوله، وهو يردد على لسانه أناشيد وأغاني وطنية كان قد
حفظها في صغره، هذه الأغاني التي تعبر عمّا في داخله من ويلات ومن ألم وأسى، لا يزال
متمسكاً بها مؤكداً على أنه سيعلمها لأبنائه ولأحفاده من بعده، لكي تبقى فلسطين قبلة
عيونهم، في هذه الموقف لا بد لنا أن نشعر بعظم الهم المختزن في صدورهم منذ العام
1948.
عندما ينظر الجد الكبير إلى أطفاله بهذه العين الجميلة
لا يسعنا إلا أن نقول بأن "أطفالاً سمعت ورأت أنين ودموع أجدادها من المستحيل
أن تنسى وطنها"، ففلسطين في قلوب الكبار حية، ولكنه ينبغي أن نسلط الضوء على ذاكرتهم
لكي نوثق ما رأوا وما سمعوا لنعلم لأطفالنا لكي نقضي على هذه المقولة "غداً الكبار
يموتون والصغار ينسون".
المصدر: رابطة الاعلاميين الفلسطينيين