فلسطين للفلسطينيين والأردن للأردنيين
أسعد العزوني
ما أصعب أن تضطر لترك الأمور الملتهبة والقضايا الكبيرة الخلافية، وتعمل العقل في التفكير بقضايا من المفترض أنها ارتقت الى مستوى البدهيات منذ زمن وأولى هذه القضايا "المسألة الاردنية –الفلسطينية" أو ما يطلق عليه " الفلسطينيون في الاردن".
ولعل من المفيد التذكير أن الفلسطينيين لم يأتوا الى الاردن كلاجئين، رغم أن هذه الصفة تطلق عليهم والتصقت بهم. فهم جاؤوا ومعهم جزء كبير من أرضهم (الضفة الفلسطينية) التي اندمجت مع "الضفة الأردنية" لنهر الأردن وشكلتا معا دولة عتيدة حملت اسم " المملكة الاردنية الهاشمية" بعد أن كان اسمها امارة شرق الأردن، وتم ذلك وفق نظرية النشوء والارتقاء. وقفر عدد سكان الاردن آنذاك من 350 الفا عام 1948 الى نحو 6 ملايين نسمة هذه الأيام، جلهم يحملون الجنسية الاردنية ويفتخرون بذلك، وتعهدوا بالدفاع عن الأردن واعتبر الفلسطينيون أنفسهم " ضيوفا" فيه الى أن تحين ساعة العودة ليعودوا الى ديارهم وبيوتهم.
لكن وحتى اللحظة، لم يشأ المولى تحقيق هذا الحلم، ومما زاد الطين بلة هو سقوط الضفة الفلسطينية إثر عدوان حزيران 1967، لم تعد تابعة للأردن بل أصبحت تحت الاحتلال الاسرائيلي البغيض ،ما أدى الى تفاقم الحالة الفلسطينية، ومع ذلك فان من انتقلوا من الضفة الفلسطينية الى الضفة الأردنية لا تنطبق عليهم صفة اللجوء، بل الانتقال للعيش من محافظة الى محافظة، تماما كما هو الحال عندما تنتقل أسرة من اربد على سبيل المثال للعيش في عمان. كونهم أساسا يحملون الجنسية الأردنية .ولا بد من التنويه ان الجامعة العربية -يحفظها الله - أكدت ان الضفة الفلسطينية ما هي الا وديعة لدى الضفة الأردنية لحين عودة فلسطين الى أهلها.
لو فتشنا عن جينات نطف الفلسطينيين التي لم تستقر في الارحام بعد، لوجدنا فيها ثابتا واحدا وهو أن " فلسطين للفلسطينيين، والأردن للأردنيين " ومع ذلك فان الفلسطينيين وفي حال تحقيق حلمهم لن يضعوا لافتات على نهر الأردن تقول " ممنوع دخول الأردنيين" فهذا ليس من شيمهم ولننظر الى أسماء العديد من العائلات الفلسطينية المحترمة فإننا سنجد أنها وفدت الى فلسطين من ساحات عربية أخرى، ومن فرط حبهم لفلسطين قرروا البقاء فيها.
كما أن الفلسطينيين لن يحملوا مكبرات الصوت ويطوفون في شوارع مدنهم ويصرخون " أيها الأردنيون ارحلوا فلا نريدكم" بل سينسجون معهم أفضل العلاقات، وستتعمق الأخوة الفلسطينية-الأردنية لتصل الى وحدة الحال بالمصاهرة.
الفلسطينيون ليس في الأردن وحده، بل في كافة دول الطوق العربية ومعهم فلسطينيو المهجر المنعمون والحاصلون على جنسيات الدول التي يقيمون فيها وينعمون بمستوى جيد من حقوق الانسان، يتلهفون للعودة، ولعل الدول العربية التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين على دراية بلهفة الفلسطينيين فيها للعودة الى ديارهم، وقد شهدت بيروت والعواصم العربية الأخرى العديد من المظاهرات والمسيرات للمطالبة بتنفيذ حق العودة ورفض التوطين.منذ التهجير القسري وحتى يومنا هذا.ولعل انخراط هؤلاء الفلسطينيين بالكفاح المسلح وتقديم أرواحهم قرابين لفلسطين، دليلا واضحا على رفض التوطين والرغبة الملحة بالعودة الى الوطن.
السؤال الملح هو : من يمنع الفلسطينيين من العودة الى ديارهم، ومن أجهض ثوراتهم بدْءا من ثورة عام 1936 وانتهاء بالانتفاضة الاخيرة؟لا أظن أن الجواب بحاجة الى ائتلاف سحرة هندي يهودي مغربي!!!
لقد حاول الفلسطينيون تنفيذ حق العودة بأنفسهم وبدون سلاح، وقد شهدت الاغوار الاردنية محاولتين جادتين الاولى عام 2000 والثانية في شهر أيار الماضي، وجوبهتا بصد عنيف، وقد شاركت في الأولى ويا لهول ما شاهدت.
كما ان الذاكرة ما تزال تسعف حول ما جرى على الحدود العربية مع فلسطين في أيار الماضي ووصل الأمر بالنظام المصري البائد الى بناء حاجز فولاذي لمنع التواصل مع أهالي غزة.
ما أود الجهر به هو أن الفلسطينيين لا تحدوهم الرغبة بالبقاء خارج وطنهم، ولن يفكروا ولو عن طريق المزاح بالتوطين في البلدان التي يقيمون فيها، لأن فلسطين التي هي مهبط الانبياء والرسل وحاضنة الأقصى مسرى الرسول ومعراجه الى السماء، تعني لهم الكثير، فهي الوطن الذي يستحق التضحية بالأرواح والدماء.
مجددا أقول أن الفلسطينيين في الأردن لن تحدوهم الرغبة في الاستيلاء على الأردن ولا أريد هنا العودة الى التاريخ والجغرافيا أو تجاوز سايكس-بيكو لأن خارطة الشرق الأوسط الجديد كفيلة بإعادة رسم العالم العربي برمته من جديد - وقد عرض الأمريكيون الأردن على الزعيم الفلسطيني الراحل بالسم ياسر عرفات، قبل وإبان أحداث أيلول الأسود، لكنه رفض هذا العرض المشبوه وأكد لهم أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن وطنهم، لذلك كان القرار بمعاقبتهم.
ويروى أن احد السفراء الامريكيين دخل صالون طاهر المصري، وقال مخاطبا المتعللين بأن أمريكا ستدعم أي حراك فلسطيني يهدف الى السيطرة على الأردن، لكن المصري وبهمة الرجال المخلصين للأردن وفلسطين أكد لذلك السفير الذي لا يقف في وجهه أحد، أن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين، وأن الفلسطينيين في الأردن لن يتنازلوا عن وطنهم فلسطين.
لكن السؤال الملح هو ما الذي يجري في الاردن هذه الأيام؟ ، انه العبث بعينه، وهو استجابة للمخطط الاسرائيلي الهادف الى تفجير صراع دموي بين الأهل والأخوة، ومع شديد الأسف، أن هناك جهات تصب الزيت على النار من خلال توظيف ما يطلق عليهم كتاب التدخل السريع الذين يبثون على صفحات الصحف سما زعافا.
ختاما نحن فلسطينيون من أجل الأردن ، وأردنيون من اجل فلسطين. وعلى الجميع أن يحذروا مغبة التمادي في غيهم، لأن التاريخ لن يرحم.
" ليس كل ما يعرف يقال، لكن الحقيقة تطل برأسها".
المصدر: جريدة الراية