القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

فلسطين: مسؤولية حقوق الإنسان!

فلسطين: مسؤولية حقوق الإنسان!
 
/cms/assets/Gallery/850/634967564044754627.jpg

بقلم: جيمس زغبي

فيما يمكن وصفه بـ"الوقاحة" كتب "ديفيد كيز"، المدير التنفيذي لمنظمة تطلق على نفسها اسم "دعم حقوق الإنسان" مقالًا نشرته في الأسبوع الماضي صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "العجز الديمقراطي الفلسطيني"، حيث بدأ "كيز" مقاله بإدانة الاعتقالات التي قامت بها السلطة الفلسطينية خلال السنوات الماضية في حق النشطاء الذين اتهموا بانتقاد القيادة الفلسطينية، ولكنه سرعان ما كشف عن هدفه الحقيقي المتمثل في الدفع بالفكرة التي مفادها أن الفلسطينيين ليسوا شركاء للسلام، وأنهم لا يستحقون الحصول على دولة ولذا يتعين عدم استفادتهم من المساعدات الأمريكية! ومما جاء في كلامه: "إن أهم مؤشر على التزام حكومة ما بالحفاظ على السلام مع جيرانها هو التزامها أولًا بحماية حقوق مواطنيها، فالأمم التي تنكر على مواطنيها حقوقهم ليست في وارد الحرص على السلام مع أعدائها التاريخيين.

وبعبارة أخرى يبقى احترام القيادة الفلسطينية لحقوق شعبها ضرورياً لدعم عملية السلام... والخطوة الأولى في اتجاه ذلك هي ربط المساعدات الاقتصادية الغربية باحترام السلطة الفلسطينية حق التعبير، ذلك أن حقوق الإنسان التي ينظر إليها غالباً على أنها صرف للانتباه عن عملية السلام إنما هي في الحقيقة السر في نجاح السلام"! ولكن بعد قراءة ما سلف لابد من إبداء بعض الملاحظات المهمة، وأولها أن هناك رائحة قوية نحسها في هذه التصريحات تعود بجذورها إلى بوش ومعلمه شارانسكي، التي يبدو أن "كيز" متأثر بها على نحو قوي، فالفكرة الغريبة التي تقول بضرورة بناء الفلسطينيين أولًا "لديمقراطية فعالة تقوم على التسامح والحرية" قبل حصولهم على دولة، إنما بلورها أولًا بوش في يونيو عام 2002. ففي تلك الفترة عندما بلغ التوتر الإسرائيلي الفلسطيني أوجه انتظر العالم لشهرين كاملين ما ستسفر عنه خطة بوش لدفع عملية السلام المتعطلة، وفي هذا الإطار تمت صياغة خطاب من قبل وزارة الخارجية الأمريكية تضع فيه حينها الخطوط العريضة لخطة سرعان ما تدخلت بعض الأيدي لتغيرها وتضع فيها مطلب الديمقراطية أولًا لتنتهي محاولات إحياء عملية السلام إلى دق إسفين في نعشها. وحينها تساءلتُ، كيف يمكن لشعب خاضع تحت الاحتلال العسكري أن يقيم ديمقراطية فعالة في ظل غياب تام لاقتصاد فعال واستمرار الإهانات اليومية التي يعيشها الفلسطينيون على المعابر الحدودية، وحرمانهم التام من حقهم في التنقل، هذا فضلًا عن القيود الكثيرة المفروضة على مزاولتهم للتجارة وفقدانهم لممتلكاتهم التي يصادرها منهم الاحتلال الذي يزعم أنه هو الأكثر ديمقراطية؟ وقد تفاجأ مسؤولو وزارة الخارجية بالتعديلات التي لحقت بخطة بوش، وبالتغييرات التي أدخلت على خطابه، حيث تبين لاحقاً أن سبب ذلك يرجع إلى نتان شارانسكي الذي قرأ بوش كتابه حول الديمقراطية. وشارانسكي، لمن لا يعرفه، هو أحد المنشقين السابقين عن الاتحاد السوفييتي الذي هاجر إلى (إسرائيل) ليستقر فيها عام 1986، وما زلت أتذكر جيداً كيف كان ينتقد الحكومة الإسرائيلية في بداية وصوله إلى أن تم توبيخه ليكف نهائياً عن إثارة موضوع تعامل (إسرائيل) مع الفلسطينيين.

وبسرعة انضم شارانسكي إلى جوقة المتشددين الذين ينتقدون الفلسطينيين على كل شيء. وهنا لابد من الإشارة إلى أن كاتب المقال المستفز، "كيز"، عمل لسنوات مع شارانسكي وتأثر بأطروحاته. ثم، لوضع الأمور في سياقها، تلزم الإشارة أيضاً إلى أن المنظمة التي يرأسها "كيز" وهي "دعم حقوق الإنسان" كان من مؤسسها "بين بيرنشتاين" وهو أحد مؤسسي منظمة "هيومان رايتس ووتش" قبل أن ينفصل عنها متهماً إياها بالمبالغة في التركيز على التجاوزات الإسرائيلية! وبعد عامين أطلق "دعم حقوق الإنسان" التي يبدو من خلال لمحة على موقعها الإلكتروني أنها تنتقد كل ما هو في الشرق الأوسط عدا (إسرائيل).

وحتى لا أفهم خطأ لا أستطيع التغاضي، أو تبرير أداء السلطة الفلسطينية، وقد سبق لي أن أخبرتهم بذلك، ففي سبعينيات القرن الماضي أسست "حملة حقوق الإنسان الفلسطيني" التي سعت إلى الدفاع عن الفلسطينيين الذين عانوا مما يعرف بالاعتقال الإداري الذي يزج فيه المعتقلون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية دون المثول أمام محكمة، أو الذين تهدم منازلهم ويتم طردهم خارج الأراضي الفلسطينية. وكان تأسيس تلك المنظمة رداً على تهميش حقوق الإنسان الفلسطيني في الولايات المتحدة وعدم التطرق إليها. ولكن في الوقت الذي كنا فيه ندافع عن حقوق الفلسطينيين كنا أيضاً ننتقد بعض ممارسات السلطة وتجاوزاتها، وكانت الوفود الفلسطينية التي تأتي إلى أمريكا تسمع منا هذا الكلام مباشرة وبصراحة. بيد أني أدرك أيضاً الظروف الصعبة التي فُرضت على الفلسطينيين بسبب الاحتلال المتواصل لأراضيهم، لتطلب منهم (إسرائيل) والولايات المتحدة التعايش مع هذا الاحتلال بإدارة مناطقهم وتلبية احتياجات شعبهم. وفي غياب فرص حقيقية لتنمية اقتصادهم وإنعاش القطاع الخاص أجبر الفلسطينيون على الاعتماد على المساعدات الخارجية لتسديد رواتب القطاع العام المتضخم. وليس غريباً أن تتعامل السلطة ببعض الضيق مع مواطنيها الذين يعتمدون عليها كمورد للرزق.

وما زلت أذكر أنه في التسعينيات، عندما سئلت من قبل أحد أعضاء مجلس الشيوخ في جلسة للكونجرس استدعيت إليها للإدلاء بشهادتي حول الاقتصاد الفلسطيني، لماذا لا يكون عرفات مثل مانديلا، أو يلتسين؟ أجبت بأنه في الوقت الذي يمتلك فيه هذان القائدان دولة بمواصفات كاملة يسيطران من خلالها على الاقتصاد والحدود، لا يملك عرفات سوى "كانتونات" لا تستطيع الاستيراد، أو التصدير ولا التنقل بحرية. بل إنه يفقد يومياً أراضي جديدة بسبب توسع شبكات الاستيطان اليهودي، ولذا سيكون من غير اللائق إلقاء المسؤولية بالكامل على عاتق الضحية. وحتى إذا كان ذلك لا يبرر تجاوزات السلطة الفلسطينية تجاه شعبها، إلا أنه على الأقل يجب وضع اللوم على مستحقه المتمثل هنا في الاحتلال الذي يواصل تحكمه الغاشم في رقاب الفلسطينيين دون نهاية في الأفق.

المصدر: وكالات