القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

فلسطين.. وطن للبيع!! - ياسر الزعاترة

فلسطين.. وطن للبيع!!

ياسر الزعاترة

بحسب تقرير نشره موقع الجزيرة نت، فقد صدرت في رام الله مؤخرا النسخة العربية من كتاب «فلسطين.. وطن للبيع» للكاتب خليل نخلة. وهو كتاب يعالج نظرية التنمية في فلسطين، والتي تتولاها الدول والمؤسسات المانحة منذ توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني عام 93.

وبحسب التقرير، يتناول الكتاب «تداعيات التدفق المالي الأجنبي المحمل بأجندات سياسية على القضية الفلسطينية عامة وتناقضه مع مفهوم «التنمية التحررية» التي يحتاجها شعب ما زال محكوما للاحتلال». وفي لفتة بالغة الدلالة، تصدرت غلاف الكتاب لافتة كانت مخصصة للترحيب بالمشاركين في «مؤتمر بيت لحم للاستثمار» التي نصبت للمفارقة على حاجز إسرائيلي.

وينقل التقرير عن الكاتب قوله: إن الصورة تحمل أربعة عناصر أساسية تناقض ما تسمى «التنمية في فلسطين»؛ أولها شعار دولة الاحتلال «إسرائيل»، ثم شعار المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي، وشعار الإدارة المدنية الإسرائيلية المسؤولة عن متابعة احتلال الضفة الغربية، والرابع شعار الشرطة الإسرائيلية. ويبقى الشعار الخامس في أسفل اللوحة «المؤتمر الفلسطيني للاستثمار» وهو الإشارة الوحيدة التي توحي «بفلسطينية المشروع».

ويتحدث الكتاب عن دور التحالف غير الرسمي المشكل من النخبة السياسية الرأسمالية الفلسطينية، والمنظمات الفلسطينية التنموية غير الحكومية، ووكالات المساعدات الأجنبية، في إعاقة ما يسميه «التنمية التحررية المرتكزة على الناس» وعرقلتها وتقويض دعائمها.

ومن ناحية مجتمعية يعتقد نخلة أن إقامة «سلطة أوسلو» التي ترفد بالمساعدات ليست سوى محاولة لإعادة هندسة المجتمع الفلسطيني بما يشمل تغيير القيم الثقافية ومفهوم الاقتصاد بالاستناد إلى الاستهلاك وليس الإنتاج.

يكتسب الكتاب أهميته من جوهر الفكرة التي يركز عليها ابتداءً، كما يكتسب أهميته من خبرة الكاتب الطويلة (25 عاما) في قضايا الدعم والتمويل الأجنبي. ومع أننا لم نقرأ الكتاب، فإن ما ورد فيه بحسب التقرير المشار إليه (من حيث جوهر الفكرة) كان جزءًا لا يتجزأ من عشرات المقالات التي كتبناها. وفيما يسمي الكاتب ما يجري في الضفة بإعادة هندسة المجتمع، فقد كنا نستخدم مصطلح إعادة تشكيل الوعي الجمعي للناس لكي يقبلوا بواقع الاحتلال مقابل بعض الرفاه الاقتصادي المصنوع على عين الاحتلال وبإرادته.

ابتداءً من الغلاف كان الكتاب يعكس مضمونه المميز، فهنا ثمة مؤتمر للاستثمار يُعقد برعاية الاحتلال، تماما كما عقد المؤتمر السادس للحركة التي تقود الفلسطينيين في الضفة الغربية (فتح)، وليس ثمة عاقل يعتقد أن حركة تعقد مؤتمرها برعاية المحتل يمكن أن تتحداه وتفرض عليه الهزيمة.

لا يغيب عن بالي أبدا مصطلح الصحفي الإسرائيلي المعروف عكيفا الدار، «الاختراع العبقري المسمى سلطة فلسطينية»، وهو اختراع رفضته حماس، لكنها ما لبثت أن شاركت في انتخاباته عام 2006 بعدما رفضتها في العام 96، فكان أن مُنح المزيد من الشرعية، وبدلا من مقولة حلِّ السلطة التي شاعت في الأدبيات الفلسطينية بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي للمناطق التي انسحب منها (عملية السور الواقي ربيع العام 2002)، بات الحوار الفلسطيني قائما على المحاصصة والانتخابات التي تكرِّس تلك السلطة القائمة على خدمة برنامج الاحتلال، والتي تتنفس من خلال رئته وتتلقى المعونات برضاه وتحت إشرافه.

لا عجب إذن أن يكون المرشح الوحيد لرئاسة الوزراء في السلطة هو المرشح الذي جاء من البنك الدولي (سلام فياض)، بل إن مصادر فتحاوية تؤكد أن الرجل ليس خيار محمود عباس الطوعي، بقدر ما هو خيار المانحين الدوليين، وخيار الإسرائيليين بالطبع.

إنها مسيرة طويلة بدأت بتحويل الثوار إلى موظفين ورجال أمن ينتظرون الرواتب من صناديق المانحين، وحين «انحرفوا» بعض الشيء، عوقب كبيرهم بالقتل، وسلمت السلطة لمن انقلبوا عليه لكي يستعيدوا لغة الوفاء لمتطلبات تلك السلطة وشروطها.

هي معادلة بالغة التعقيد والبؤس في آن، وهي سلسلة تحيط بعنق الشعب الفلسطيني، وتحوّله من شعب ثائر (يدعمه أشقاؤه والأحرار في العالم)، إلى شعب متسول في كيان يتحدث رئيس وزرائه عن النمو والتنمية كما لو كان دولة، مع أنه لا يملك السيادة على أي شبر من الأرض، فيما لا يعده العدو في نهاية الرحلة سوى بحدود الجدار الأمني التي لا تساوي غير عشرة في المئة من مساحة وطنه التاريخي.

مع كل هذا البؤس، فإنك لن تعدم من يدافعون عن ذلك كله تحت شعار «بدنا نعيش»، أو «الشعب الفلسطيني بدو يعيش»، لكأننا أم خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بالاحتلال والخضوع لإرادته أو الجوع والتجويع، مع أن الأحرار كانوا ولا يزالون يصرخون «الجوع ولا الركوع». ترى هل يتذكر حملة بطاقات الفي آي بي شعارا كهذا؟!

المصدر: جريدة الدستور الأردنية