فلسطين وقصص أبناءها.. في مخيم "لمّ الشمل"
آدم شمس الدين
من مدن وقرى فلسطينية مختلفة أتوا، ليلتمّ الشمل هنا في لبنان مع إخوانهم في المخيمات. الزيارة ليست بدافع السياحة أو التسلية، رغم فرحة اللقاء والتعارف. من أتى من الضفة وغيرها أتى ليشارك إخوانه من المخيمات، قصص المأساة التي يعيشونها يومياً، فلا يتوانى سكان المخيمات، في المقابل، عن مشاركتهم بعض معاناتهم هنا. معاناة تتفوق في بعض الأحيان على مأساة من يعيشون في الضفة ومخيماتها والأراضي المحتلة. هذا استنتاج يخلص إليه بعض "الزوار" الذين قارنوا بين قصصهم هناك وما يسمعون عنه هنا: "احنا عايشين بفندق خمس نجوم مقارنة بعيشتهم هون".
من لا يعرف المخيمات، ومن لم يزرها أبداً، يكفي له أن يستمع إلى بعض ما يمرّ به سكان الضفة من معاناةٍ يومية ليتمكن من فهم فداحة المقارنة مع أولئك الذين يعيشون في المخيمات في لبنان. يتحدثون عن حياتهم بتفاصيلها الواقعية. تفاصيل تبدو لسامعها ضرباً من نسج الخيال، يستحيل عليه أن يصدقها إلا عندما تتكرر وتتشابه أثناء سردها. يروونها ببساطة من اعتاد عليها، من دون مؤثرات إضافية، كأنها مشوار يومي يشترك فيه جميع أبناء المخيمات. لكن، رغم ذلك، ليس الهدف بحسب هؤلاء توّسل عاطفة أو شفقة أو حتى تأييد. هي ببساطة استعراض لوقائع يغفل عنها جزء كبير من اللبنانيين، لكنها لم تدفع هؤلاء يوما إلى الاستسلام.
الزيارة بحد ذاتها واللقاء مع أبناء المخيمات، بحسب بعض المشاركين، هي تعبير صمودٌ ومقاومة لواقع تحاول (إسرائيل) فرضه بكافة الوسائل. هي للوقوف بوجه مقولة "لا يوجد شيء اسمه فلسطين، وفلسطينيي الداخل هم غير فلسطينيي الشتات، وفلسطينيي الداخل هم بذاتهم حالة مؤقتة تمارس بحقهم كافة أنواع الاضطهاد والتمييز ريثما يلحقون بمن أجبر على الرحيل قبلهم".
هكذا التقى هؤلاء تحت عنوان "المخيم الصيفي العاشر للتواصل ولمّ الشمل" الذي بدأ في الخامس عشر من تموز ويستمر لغاية الرابع والعشرين منه. والمخيم من تنظيم "جمعية الأخوة للعمل الثقافي الاجتماعي"، بالتعاون مع مؤسسة "فردريش إيبرت" ومنظمة "اليونيسف" وجمعية المساعدات الشعبية النروجية. وتتمحور معظم نشاطاته حول ٤ نقاط، هي الاستيطان، الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، الجدار الفاصل وقضية اللاجئين.
يقسم الشباب والشابات إلى مجموعات طيلة أيام المخيم، تتناول كل واحدة منها إحدى نقاط البرنامج، وتعمل على تقديمها وشرحها بالتفصيل من أجل تقديم صورة واضحة ومعبرة عن المصاعب التي يواجهها فلسطينيو الضفة، وكذلك فلسطينيو المخيمات في لبنان.
الشبان والشابات ينتمون بمعظمهم إلى جمعيات ناشطة في الداخل الفلسطيني، ومن خلال تجاربهم فيها تمكن هؤلاء من معايشة سياسيات العدو الإسرائيلي ومواجهتها، لا سيما من خلال دعم السكان للصمود في مناطقهم وعدم الاستسلام لمحاولات العدو طردهم وإبعادهم عن أرضهم لتوسيع دائرة المستوطنات. وكذلك مناهضة جدار الفصل العنصري، من خلال القيام بتحركات سلمية ومظاهرات احتجاجية بشكل منتظم تنقل للعالم كله حقيقة التمييز والحصار الذي تفرضه (إسرائيل) عبر تقسيمها للقرى الفلسطينية وعزلها.
أحمد عياش هو أحد المنظمين في المخيم، ومدير إدارة المتطوعين في جمعية الإغاثة الطبية، من سكان ضواحي القدس، يتحدث عن كافة أنواع التعذيب التي استحدثها الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، ينقل كيف أن وسائل تفريق المظاهرات المناهضة للاحتلال لم تعد تقتصر على استعمال الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، بدأ الإسرائيليون باستعمال خراطيم تضخ سائلا كيميائياً مجهول التركيب وله رائحة كريهة، تلتصق بمن يتعرض له طوال أسابيع مهما حاول تنظيف نفسه، بالإضافة إلى الغاز المسهل للمعدة وما يسببه من أمراض معوية مزمنة في حال التعرض له.
عياش الذي يحمل الهوية المقدسية يتحدث عن الأساليب التي يستخدمها الإسرائيلي من أجل دفع المقدسيين الذين ما زالوا يتشبثون بأرضهم إلى الرحيل، ومنها تهديم منازلهم وإرغامهم على دفع تكاليف الهدم، وكذلك إقامة الدعاوى في المحاكم على كل من يحاول اعتراض فرق الهدم الإسرائيلية، وإجبار أصحاب المنازل دفع تكاليف المحكمة الباهظة. لكن هذه الوسيلة ليست سوى مقدمة لاعتداء أكبر، حيث تعمد سلطة الاحتلال إلى سحب كافة "الحقوق" الاجتماعية والصحية من الذين يعجزون عن سداد تلك التكاليف، تمهيدا لطردهم وإبعادهم بعد تجريدهم من كل وسائل الصمود والعيش.
هي قصص وتجارب سيتبادلها المشاركون والمشاركات في المخيم، على مدى أكثر من أسبوع، لكنها لن تكون كافية لتنقل الصورة الفعلية عن الظروف التي يعيشها الفلسطينيون المحاصرون تحت سلطة الاحتلال هناك، وتحت سطوة التجاهل هنا.
المصدر: جريدة السفير اللبنانية