فلسطينو سوريا بين بهجة العيد وتوابيت
الحزن
ظاهر صالح
كثير على أي منا أن يحمل على كاهله
هموم أمسه ويومه وغده، فكأنه لم يكفه ما هو عليه من واقع وحاضر مؤلم يتجرّع مرارته كلما جاءت مناسبة كالأعياد أو غيرها
ليجد نفسه في حال المرتحل الذي تجتمع عليه صنوف الألم والعذاب الممزوج بالحنين إلى
أيام وبيوت وأمكنة كانت تجمع الأهل والأقارب والأصحاب والجيران وسلسلة ذكريات
لتضيف جرحًا فوق جراحه، لا سيما في أيام العيد التي تمر على اللاجئ الفلسطيني من
سوريا كتابوت حزن لا تتسع الأرض لدفنه.
هذا هو حال اللاجئ الفلسطيني في كل سنة
وعند حلول كل عيد فكل عائلة تتذكر فقيدها وغائبها
أبًا كان أو أخًا أو ابنًا، هذا ما يشعر
به اللاجئ الفلسطيني في الشتات عندما تعود به الذاكرة إلى الأحداث التي مرت
علي ولا زالت جاثمة على صدره ومخيلته، أحداثًا يفوق وقعها آلاف الكلمات كم قيدته
ومنعته من بهجة العيد وفرحته المسلوبة.
وسط هذه المشاعر يستقبل اللاجئ
الفلسطيني المهجر من سوريا الأعياد والمناسبات حيث يتوزع هو وحزنه في مختلف قارات
العالم.
لقد خلّفت الصراعات آثارًا مدمرة على
الشعوب وأدّت إلى تغيير حياتهم، وزادت في معاناتهم وبؤسهم، وحملت في صدورهم
وذاكرتهم قصصًا وحكايات وعذابات وآلام في كل محطة من محطات نزوحهم ولجوئهم لتصبح
صور المعاناة جزءًا من عيشهم كالطعام والشراب والهواء.
آلاف العائلات هاجرت وتشتت وفقدت
إحساسها بالاستقرار والأمان وأصبح كثير منها يعيش على هامش الحياة في مجتمعات
جديدة غريبة زادت غربتهم وهموهم، فلم تكد تسلم
أسرة فلسطينية من تشرد وتشتت معظم أفرادها على دول العالم وكذلك نزوح
الآلاف من العائلات داخل المدن وخارجها.
لقد هجّرت الحرب السورية اللاجئين
الفلسطينيين السوريين ما بين لبنان والأردن ومصر وتركيا وليبيا والسودان وتايلند
وماليزيا والسويد والدنمارك وألمانيا وبريطانيا وهولندا وفنلندا وسويسرا وفرنسا
والبرازيل وتشيلي وكندا وغيرها من الدول، ناهيك عن معاملة السفارات العربية
والإسلامية للاجئين الفلسطينيين، حيث تعرقل معظم سفارات الدول المجاورة لسوريا
إصدار أي تأشيرة لدخول اللاجئين الفلسطينيين السوريين، سواء القادمون منهم من
أوروبا أو سوريا، مما يجعل لقاء أي لاجئ بأسرته أمرًا في غاية الصعوبة.
لا شك أن الجراح التي تنتج عن الأحداث
الدامية والصادمة تكون أشد وطأةً وفتكًا على الانسان من أي سلاح لأنك لن تستطيع
حصر نتائجها في فرد أو أسرة واحدة أو بقعة جغرافية واحدة فآثارها السلبية تطال
الفرد والأسرة صغيرًا كان أو كبيرًا داخل المخيمات أو خارجها نازخًا داخل البلد أو
مهاجرًا.
لقد سلك اللاجئ الفلسطيني سبلًا شتى
بحثًا عن الأمن والسلامة والكرامة، فمنهم
من حالفه الحظ في السفر والرحيل والتشرد في تغريبة جديدة، وآخرون كانت البحار
مقابر لهم وآخرون لهم قصص وحكايات أدت إلى تغيير حياتهم وتجسدت فيها كثير من
التعقيدات وخلقت حالة من الشرخ العميق على مختلف المستويات وأفرزت آثارها الكارثية
على أهم مؤسسة اجتماعية ألا وهي الأسرة، لا سيما أن كثيرًا من الضحايا كانوا أرباب
أسر، وكان لهم الدور الأساس في بقاء أسرهم وتماسكها سواء أكان المسؤول عنها أبًا
أو أخًا أو من ينوب عنهما، أو كليهما في الغالب.
لهذا كم يستوجب الوقوف أمام ما يتعرض
له اللاجئ الفلسطيني من استهدافٍ لقيمته، لا يمكن الصمت عن أحواله وخاصة أن المآسي
اليومية التي يتعرض لها لم تعد مشاهدها خافية على أحد.
لم يكن اختلال القيمة الاجتماعية بعد
مضي أكثر من سبع سنوات من الأحداث أمرًا طبيعيًا، في ظل تجاهل وصمت غريب ومريب
لقضايا ومعاناة اللاجئ الفلسطينيي من سورية في أكثر من مكان من قبل الجهات الفلسطينية الرسمية وغير
الرسمية؛ هذا ما أدى أيضًا إلى زيادة في معاناتهم ومأساتهم.
ولعل من الأهمية بمكان القول إن الشعوب
لا تنتهي بالدمار الذي تسببه الصراعات، وإنما تنهار عندما تفقد مجتمعاتها أركان
وعناصر ضبطها الاجتماعي والوطني الذي هو بمثابة منظومة متكاملة الأركان تتوارثها
الأجيال جيلًا بعد جيل.
يقف اللاجئ الفلسطيني أمام هذه
التحديات ويستذكر كل مآسيه وآلامه وتتفتح خزائن أحزانه في أيام العيد لتسرق فرحه
وبهجته الخجولة في العيد وتعيده إلى نبش ذاكرة وحملها مرة تلو الأخرى كتابوت حزن
لا تتسع الأرض لدفنه.
المصدر: الساسة بوست