فلسطينيو أوروبا.. القضية واستفاقة الوعي
بقلم: عيده المطلق قناة
رغم الابتزاز والضغوط السياسية والإعلامية التي
اعتادت المنظمات الصهيونية على ممارستها على المسؤولين الأوروبيين لمنع أي فعالية للفلسطينيين
في أوروبا إلا أن مؤتمرات «حق العودة» التي دأب فلسطينيو أوروبا على عقدها منذ عام
2003ما زالت تتوالى عاما بعد عام.. وفي كل عام تسجل المزيد من النجاحات سواء على صعيد
المشاركة نوعا وزخما أو من حيث مأسسة العمل الفلسطيني.. أو من حيث توسيع مساحات المشترك
وترسيخ قضايا الاجماع الوطني!
في هذا العام وقبل أسبوعين كانت برلين محطة المؤتمر
الثالث عشر الذي انعقد بمشاركة نحو خمسة عشر ألف فلسطيني جاؤوا من جميع دول القارة
الأوروبية إلى جانب شخصيات عامة وازنة عربية وإسلامية وأوروبية..ومنظمات وأحزاب ومؤسسات
كان من بينها «الهيئة العربية الدولية لإعمار غزة «!
إلى برلين حضرت القضية الفلسطينية بعناوينها وتفاصيلها
الموجعة (اللجوء والأسرى.. الاستيطان والتهويد.. القدس وغزة.. الحصار وإشكاليات الإعمار..
وليس انتهاء بالنكبة الفلسطينية المتجددة في سوريا ومأساة مخيم اليرموك بخاصة).. وحضرت
الهوية الفلسطينية بتنوع رمزياتها (العلم.. وصكوك الملكية (الكواشين)، والوثائق ومفاتيح
البيوت بالألحان والدبكات والقصائد والأغاني والأناشيد.. بالحطة والكوفية والملابس
المبهرة.. وليس انتهاء بالمسخن والزيت والزيتون والزعتر)..
تنوعت الفعاليات (ندوات وورش عمل ومعارض وعروض
فنية) وغطت معظم عناوين التغريبة الفلسطينية..
خلاصة ما يمكن قوله إن فلسطينيي أوروبا يتبنون
«ثقافة العودة والتحرير معا».. وذلك عبر تأكيد تمسكهم بالثوابت والحقوق..وفي مقدمتها
حق العودة والمقاومة بجميع أشكالها.. ورفضهم «خيار التسوية» الذي نال من جميع عناوين
ومفردات المشروع الوطني الفلسطيني.. ففي ظل أوسلو وسلطتها (التي قامت على 43% فقط من
أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة) تصاعدت الهجرة اليهودية حتى بلغت معدلاتها ثمانين ألفا
مهاجر في العام الواحد.. وازداد الاستيطان انتشارا وأعدادا ومساحات حتى بلغ المجال
الحيوي للمستوطنات ﻤﺎ ﻨﺴﺒﺘﻪ ﻤﻥ(45-58%) ﻤﻥ ﻤﺴﺎﺤﺔ ﺍﻟﻀﻔﺔ؛ أغلبها في منطقة القدس الكبرى..
وتضاعفت أعداد المستوطنين حتى بلغت حوالي 500ـ600 ألف مستوطن يهودي، نصفهم في منطقة
القدس الشرقية.. والتهم جدار الفصل العنصري مساحات جديدة من الأرض الفلسطينية وجعل
المدن والمناطق الفلسطينية مجرد كانتونات معزولة.. فضلا عما التهمته من خزانات ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ
الجوفية الأساسية في ﺍﻟﻀﻔﺔ لاستعمالات «إسرائيل» على حساب الفلسطينيين.. ولعل أخطر
مخرجات «أوسلو» البائسة هو إخراج نحو «ستة ملايين لاجئ» وحقهم في العودة والتعويض من
المعادلات السياسية وموازين القوى الفلسطينية.. بعد أن كانت قضية اللاجئين تمثل «عقب
أخيل» بالنسبة لـ»إسرائيل»،(بحسب ليفي إشكول ثالث رئيس وزراء ل»إسرائيل»).
فلسطينيو أوروبا يؤكدون على أن إنجاز «المشروع
الوطني الفلسطيني التحرري» يقتضي الوحدة الفلسطينية في إطار «مشروع المقاومة».. والمسارعة
في إعادة «هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية» وبناء مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والسياسية
على قاعدة احترام إرادة الشعب الفلسطيني وخياراته.. واستعادة الميثاق الوطني الفلسطيني
واستراتيجية «الكفاح المسلح» باعتباره «الطريق الوحيد لتحرير فلسطين تحريرا كاملا..
ورفض كل الحلول والمشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها.. ورفضهم
استخدام «حق العودة» كورقة للمساومة والتنازلات في المفاوضات العبثية مع «إسرائيل»..
لقد أسقطت (مؤتمرات «فلسطينيو أوروبا») الرهان
الصهيوني على عاملي تقادم الزمن وبعد الجغرافيا لذوبان الشعب الفلسطيني، وتبدل هويته..
ونجحت في نقل (العودة) من قضية قابلة للنسيان إلى قضية حاضرة بقوة وحيوية في البناء
النفسي والفكري والوجداني للجيل الثالث من اللاجئين.. فقد حضر هذا الجيل الجديد وبقوة
في كافة فعاليات مؤتمر برلين الثالث عشر.. وحضر معهم الوطن(المكان والزمان.. الذاكرة
والذكريات.. الألوان والآمال.. الأشواق والأشجان).. وحضرت معهم وفيهم الهوية الفلسطينية
بأبعادها العربية والإسلامية.. واستعاد هذا الجيل خطاب المفاهيم الفلسطينية الأصيلة؛
فالقضية بالنسبة لهؤلاء «وطن مسروق وأرض مغصوبة وشعب مشرد.. وما أخذ بالقوة لا يسترد
إلا بالقوة»!!
إن حيوية الشعوب والمجتمعات من حقائق التاريخ
المؤكدة.. فهاهي فلسطين تعود إلى مركزيتها في الذاكرة والوعي الجمعي العربي والفلسطيني..
وتستحضر مقولة الشاعر الفلسطيني -الراحل- محمود درويش - «كلما خيّل لنا أن صورة فلسطين
انتقلت من مكانتها المقدسة.. إلى سياق العادي، فاجأتنا بقدرتها الفذة على إيقاظ معناها
الخالد».
قال تعالى : } فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم
وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا{ (الإسراء: 7)
المصدر: السبيل