فلسطينيو الـ
48: مواطنة تفتقد الحياة الكريمة
بقلم: حسن
مواسي
لم تكن حالة
غريبة أو غير متوقعة في العلاقة بين الأجهزة الأمنية في "إسرائيل" وفلسطينيي
الـ48، حيث إن فكرة نقاء الدولة اليهودية وتشديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو في الفترة الأخيرة على الاعتراف بها، نبع من شعور داخلي لدى مقومات هذه
الدولة والتي تسعى دائما إلى ادلجتها دينياً، بحيث تستبعد أي عرق غير يهودي من
مكونات هذه الدولة.
وعلاقة "إسرائيل"
مع المواطنين العرب في داخلها، والاعتراف بهم كأقلية قومية عربية، أو تسميتهم
بـ»الوسط العربي»، جعل قضية إقصائهم عن الدولة أمراً محتماً بشكل زعزع ثقة سكان
الأرض الأصليين «الفلسطينيون في إسرائيل»، وبالتالي خلخل مفهوم الانتماء إلى هذه
الدولة، على الرغم من تعايشهم مع واقعهم في داخلها.
وفكرة الخلخلة
هذه، نبعت بداية من رغبة "إسرائيل" في تخليص العرب المتواجدين في أحياء
إما مختلطة أو انفرادية تجاورها أحياء يهودية، مثل «الكيبوتسات» أو «الموشافيم» أو
«المستوطنات»، التي بنيت على الأراضي الفلسطينية، بغية مصادرة الهوية الفلسطينية،
بمعنى الانتماء والتعريف الكياني لهذه الهوية.
وفي ذلك محاولة
خلق حالة متزعزعة بين مصطلحي «الفلسطنة« و«الأسرلة«، بحيث تصبح هذه الأقلية، بحسب
تعريف "إسرائيل" لها، خالية من بعد الانتماء العربي الثقافي والوجودي،
وعليه كرست جل جهدها لمحو فكرة الانتماء العروبي للمحيط الإقليمي المتمثل بالعالم
العربي والوطني، وعززت فكرة «أسرلتهم« وتعريفهم بـ»عرب إسرائيل»، كما لو أنهم
«اشكينازيم« (اليهود الغربيين) و»سفارديم« (اليهود الشرقيين) والروس والأثيوبيين،
الذين بمجملهم، يشكلون الدولة.
إلا أن الواقع
المرغوب به والمتخلخل والمتزعزع أحيانا بين تجزئه فلسطينيي الـ48 إلى مسلمين،
ومسيحيين، ودروز، وبدو، وشركس، والاماني التي عولجت بفكرة «الاسرلة«، يرافقها
إقصاء وتهميش وفروق طبقية بين العرب واليهود في الدولة، ما خلق حالة متعثرة
أحياناً، وغير واضحة المعالم أحيانا أخرى، بحيث يرافق هذه المواطنة عنف من طرف
الدولة التي تحتضن هذا المواطن، والتي من المفترض أن تكون حارسه الشخصي لحياة
كريمة متوازنة بعيدة عن التفرقة والعنصرية لأي سبب كان.
وفكرة الإقصاء
والتهميش والعنصرية التي لم تستطع "إسرائيل" التخلي عنها، جعلت العلاقة
بين العربي الفلسطيني في داخلها، علاقة مهزوزة قابلة للاشتعال في أي لحظة، ولم تكن
أحداث النقب الأخيرة من قيام الشرطة الإسرائيلية بقتل شابين من البدو، جديدة، فقد
سبقها عنف في العام 2000، حين قتلت الشرطة الإسرائيلية في انتفاضة الأقصى، والتي
عبر فلسطينيي 48 عن غضبهم من قيام "إسرائيل" بقتل إخوانهم في الضفة
الغربية وغزة، من الرد العنيف بقتل 13 مواطناً عربياً يحملون الجنسية الإسرائيلية،
ويعدون بالقانون مواطنين إسرائيليين، يمتلكون كل الحقوق، ومنها حق التعبير
والتظاهر، بحسب ما يكفله القانون. إلا إن هذه السياسة المتبعة ضدهم، تنبع من فكرة
أن "إسرائيل" وحتى هذه اللحظة، لم تستوعب فكرة العرق المختلف وبالأخص
العربي في مكونات هذه الدولة، ومازالت تعتبر أن سلوكهم ينبع من تعريفهم لذاتهم
كعرب، يعودون إلى امتدادهم العربي.
وهذه السياسة
العنصرية التي تحاول "إسرائيل" من خلالها الضغط والإقصاء والتهميش
وتقليل فرص الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعرب في إسرائيل، خلق حالة من
العداء بين الدولة ومواطنيها العرب، بحيث يصبح وكما يعرف المحللون في "إسرائيل"
العرب، كقنبلة موقوتة سيقع صداها كارثياً على دولة إسرائيل، وسيكون أكثر قسوة من
فكرة القبول بدولة فلسطينية مجاورة على حدود عام 1967.
والوضع الذي
آلت إليه العلاقة بين دولة "إسرائيل" والفلسطينيين العرب الذين يُصنفون
اليوم بأنهم مواطنون إسرائيليون، يهدد استقرارهم داخل الدولة، ويبنى عليه العنف
المضاد من قبل الدولة معهم وبالعكس، وهذا متوقع نتيجة الممارسات التي تتبعها
الدولة في التضييق على فرصهم في الحياة الكريمة المستقرة والمتوازنة، والتي يحصدها
الإسرائيليون اليهود بشكل واضح، بحيث تلمس العنصرية تجاه كل عربي بدرجات متفاوتة
بين الدين والعرق والانتماء.
المصدر: الاتحاد،
أبو ظبي