فلسطينيو الشتات
والبحث عن الخلاص الذاتي
بقلم: إبراهيم
العلي
كثيرة هي المسالك
والدروب الممكنة إلى المحطة الأخيرة التي يرغب البعض بالوصول إليها ، لكنها متفاوتة
المخاطر والتكلفة ، وتنطبق هذه المقولة على غالبية من سكنوا البلاد التي يحملون جنسيتها
وجواز سفرها، فنالوا الحظوة والحق في الإقامة والتنقل والخروج والدخول منها وإليها
أو لبلدان أخرى يجدون فيها الاحترام والمتنفس.
إلا أن هناك فئات
من البشر محرومون من هذا الحق المكفول في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان يوم نص على
حق أي فرد الخروج من بلده والعودة إليه ، كما هو حال الكثيرين من اللاجئين الفلسطينييين
ممن يحملون وثائق السفر.
فاللاجئ الفلسطيني
الحامل لوثيقة السفر المصرية غير قادر على العودة الى مصر إذا عجز عن تبرير غيابه أو
تجاوز الفترة المسموح فيها الغياب ، أما اللاجئ الفلسطيني في لبنان فقد وجد نفسه فجأة
غيرقادر على السفر بحجة أن الوثيقة التي يحملها مكتوبة بخط اليد ولا تخضع للشروط الدولية
التي وضعتها المؤسسات الدولية مؤخراًبوجوب الكتابة الالكترونية والقراءة البيومترية
وغيرها مما جعل هذه الوثيقة لعنة على حاملها وعبئ كبير في ظل تململ الطرف المصدر للوثيقة
من تطبيق هذه الشروط. ولكن بالمقابل يحمل اللاجئ الفلسطيني السوري الوثيقة البيومترية
ذات الصفات الدولية إلا أنه يعجز غالبا عن الحصول على تأشيرة تمكنه من التنقل أو الإقامة
في غالبية الدول العربية والاسلامية ناهيك عن دول الاتحاد الاوروبي.
إن المتتبع للآليات
الممارسة مع اللاجئين على حدود الدول العربية يؤكد أن التعامل بالطرق المذلة للاجئين
مقصوداً، لا بل أكثر من ذلك فقد صرح أحد العاملين على حدود إحدى تلك الدول لبعض أصدقائه
في لحظة صدق مع ذاته أن هذا السلوك مطلوباً منهم !
بهذا يصبح المنع
والاذلال والزجر والتعزير وكل مفردات اللغة الدالة على التعامل المهين هو لصيق اللاجئ
في الدول التي وجد نفسه فيها بلا حول منه ولا قوة ، وبالتالي يتسرب الحقد وحب الثأر
والرغبة المتأججة في التمرد إلى صدره وينعكس على سلوكه غضباًأو احتجاجاًأو تذمراًأو
ربما أكثر من ذلك ، فالشعور بالاغتراب بين الأهل والإخوة قد يساوي الألم الناتج عن
النكبة والتشرد أو يفوقه ، والصد أو التجاهل ممن هو مقبل عليه أكثر إيلاماًممن لم يفكر
بالذهاب إليه يوماًأو اتخاذه وجهة يستقبلها يوم تضيق به الأرض.
أمام مأساة هذه
العينة من اللاجئين الفلسطينيين ما الذي ينبغي على الراعي الرسمي الفلسطيني عمله للحد
من معاناتهم بعدما اعترف بأحقية الكيان الصهيوني على 78 % من أراضي فلسطين التاريخية
واستمرار قضم الاحتلال للأراضي الفلسطينية وتعاظم حركة الاستيطان والتهويد؟ وهل يمكن
للاجئين النظر بعين التسامح إلى التعامل غير البريء مع السلوك الرسمي الفلسطيني أو
العربي مع قضية اللاجئين الفلسطينيين؟ وإلى أي حدٍ يمكن المراهنة على صمود فلسطينيي
الشتات الذين يشكلون الرصيد الاستراتيجي والعمود الفـقري لقضية اللاجئين التي إن انتهت
انتهت معها القضية؟
فسياسة الترك والتخلي
وإسناد مهمة البحث عن الخلاص الشخصي أدخل اللاجئ في حالة من الصدمة والذهول والشعور
بالغبن الشديد طوال عقود نكبته الأولى، وجعله يركب البحر والصحارى ويتجاوز الحدود خلسة
، فيموت قبل أن يصل مبتغاه مرات إما بالغرق أو ضربة الشمس أو رصاص الأخوة والأصدقاء
أو بانتقادات المنفصلون عن الواقع من داخل الغرف المكيفة.