القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو الشتات.. يتحدون الغياب

فلسطينيو الشتات.. يتحدون الغياب

الكاتب: محمود سرحان

سنوات طويلة مرّت على نكبة فلسطين، والتي انتجت المأساة الأكبر في التاريخ المعاصر، لشعب اقتلع من ارضه و جذوره، و اصبح مشرداً في اصقاع الأرض، يمضي حياته في المنافي تحت اسم " اللاجئين الفلسطينيين " , و لأن لكل فعل هنالك رداً عليه، فكان رد هؤلاء اللاجئين على ذل التشرد و الضياع، انطلاقهم بثورة عظيمة، ملأت اخبارها العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين، قدم فيها المقاتلين من " جيل النكبة " نماذج حية عن التضحية و الفداء، كما انتج مثقفو ذلك الجيل ما أصبح يسمى بأدب المقاومة ، فكان الأديب الشهيد غسان كنفاني احد ابرز اسمائها، الذي غاص عميقاً في تفاصيل الذات الفلسطينية، وابعادها الإنسانية وقدم واقعها المرير في العديد من رواياته، و لعل أشهرها "رجال تحت الشمس" و" عائد إلى حيفا".

كما امتطى شعراء جيل النكبة صهوة الكلمات، مثلما فعل الراحل محمود درويش، الذي اصبحت كلماته، و أناشيده للثورة و الإنسان الفلسطيني، تصدح في كل مكان، و ترجمت أعماله للعديد من اللغات،و فنيأ برز الشهيد ناجي العلي الذي استذكرنا اغتياله منذ ايام قليلة و لازالت رسوماته الناقدة تعكس واقع الحال الذي تمر به القضية الفلسطينية و كأنه حاضر فينا و بيننا، و هنا لابد ان نذكر الأثر الكبير الذي تركه المفكر العربي الراحل، المقدسي الأصل ادوارد سعيد، الذي كان ايقونة فلسطينية على المستوى الفكري، خاطب الفكر الغربي مؤكداً على عدالة قضية بلاده، و منطلقاً منها، إلى سبر اغوار التناقضات، في العلاقة بين الشرق و الغرب، و أصبحت كتبه و ابحاثه مراجع علمية في هذا المجال, وفي المحصلة، إن رحلة اثبات الهوية و الوجود الفلسطيني، و التأكيد على الإنتماء الى الأرض و التاريخ، لم تنتهي بدخول النفق الطويل لعملية السلام, ولا برحيل هؤلاء الرواد من جيل النكبة، بل لازال الكثيرمن المثقفيين و الأدباء يسيرون على دربهم، و يبدو ان أثرهم انتقل إلى جيل الشتات الحالي ولكن ليس في الأدب أو الشعر و لا في الفكر او العمليات الفدائية, فقد استطاع هذا الجيل ابداع طريقته الخاصة في التأكيد على وجوده و هويته.

رغم السنين الطويلة التي مرّت على تهجير اهلهم الى غياهب الشتات، فكانت معركتهم التي انتصروا بها في ميدان التعليم، ليكون عام (2012) عام تفوق الطلبة الفلسطينية في عدد من ساحات اللجوء، فقد احتلت الطالبة (علا ماجد عمورة ) المرتبة الأولى في سوريا رغم الظروف الصعبة و الأحداث المأساوية التي تشهدها البلاد و بمعدل 100 %، في الثانوية العامة، وفي المملكة العربية السعودية حاز الطالب ( أسامة نزار علوي ) المرتبة الأولى على مستوى المملكة في الثانوية العامة بمعدل 100 %، وقد اهدى نجاحه للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وأيضاً في المملكة الأردنية نالت الطالبة (تالا هيثم) المرتبة الأولى على مستوى الأردن في الثانوية العامة بمعدل 99.6%, كما أن هنالك العديد من الطلبة الفلسطينيين الذين حازوا على المراتب الأولى في السنوات القليلة السابقة في ساحات الشتات، فرغم أن هؤلاء الطلبة لم يتذوقوا بأنفسهم مرارة اللجوء و التهجير في بداياته الأولى، و ربما لم يتعرضوا بعد، لما يمكن اعتباره " أزمة في الهوية " يفرضها عليهم واقع الإنتماء الى وطن محتل، وليسو " نظريا " تحت ضغط التجاذبات السياسية و الفكرية الحاصلة، و لكنهم بكل تأكيد ورثوا عن اهلهم ضرورة الحفاظ على الهوية الفلسطينية، فخاضوا معركة الوجود الخاصة بهم و بوسائلهم المتاحة، ليردوا على محاولات الاخفاء و التغييب، لاسقاط حقهم القانوني و الأبدي بالعودة الى بلادهم، و ليؤكدوا من جديد ان البلاد التي تحتضنهم هي وطن ثاني وليس وطناً بديل، و ليسقطوا بذلك المقولة القديمة " الكبار يموتون و الصغار ينسون "، فهم موجودون و عائدون بقوة الحق و العلم لا بقوة السلاح، وهذا ايضاً، ما قالته بنت اللجوء في لبنان، و أصغر طالبة طب في العالم، الفتاة الفلسطينية ( اقبال محمود الأسعد ) التي تبلغ من العمر (16) عاماً وهي طالبة في السنة الرابعة بكلية الطب - جامعة (وايل كورنيل) الأمريكية، وستدخل بعد عامين مجدداً سجل غينس للأرقام القياسية كأصغر طبيبة في العالم.

أخيراً ، كانت طويلة و مريرة سنوات اللجوء التي مرّت، لكنها لم تفلح في كسر ارادة الشعب الفلسطيني بالوجود، بل تحدى محاولات الاخفاء بالإعلان عن نفسه عن طريق الإبداع في كل مكان يكون فيه، و بذلك تصدق نبوءة الشاعر الفلسطيني محمود درويش عندما قال :

حياتنا عبء على ليل المؤرخ . . كلما أخفيتهم طلعوا عليّا من الغياب.

المصدر: وكالة معا الإخبارية