القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو الهوية.. لبنانيو الهوا


الإعلامية: سوسن كعوش

الاستعارة من الجانب المظلم للذاكرة الفلسطينية، تظهر أنها ليست المرة الأولى، التي يجري فيها توجيه الإساءة القصدية للشعب الفلسطيني من جهات لبنانية. في العام 1992 صدرت تصريحات عنصرية من النائب "نقولا فتوش” وصف فيها المبعدين الفلسطينيين أنهم "نفايات سامة”. واليوم تظل علينا جريدة الجمهورية العنصرية برسم يشبه الإنسان الفلسطيني بفيروس كورونا، وكلاهما بلاء أصاب لبنان في عامي 1975 و2020 على التوالي. وبين هذا وذاك العديد من مظاهر العنصرية ضد الفلسطينيين، يمكن لأي متتبع للوضع اللبناني أن يرصدها. ليس أقبحها مقطع الفيديو لثلاث شقيقات لبنانيات، تعترف أحداهن وتصرح أنها تحب شاب لديه مواصفات رائعة، لكن عيبه الوحيد أنه فلسطيني”.! هذه العنصرية دفعت يوماً المرحوم "شفيق الحوت” لأن يقول "يحبون فلسطين، ويكرهون الفلسطينيين”. فما هي الصورة التي يريد الشعبويين اليمينيين العنصريين الجدد في لبنان، أن يكون عليها؟

الخطاب العنصري البغيض من قبل جهات عربية ضد فلسطين والفلسطينيين متشعب. وكما تم استغلال القضية الفلسطينية ـ يوم كانت قضيتهم الأولى ـ من قبل معظم الأنظمة العربية وتوظيفها لنيل شرعية الجماهير تارة، ولقمعها وتجويعها تارة أخرى بذريعة الاستعداد لمعركة تحرير فلسطين. لا فلسطين عادت ولا العرب تطوروا، ولا الشعوب استعادت إنسانيتها. والعنصرية التي مورست على الفلسطيني بشكل خاص في لبنان أكبر من يتم استيعابها في مقال كهذا. وبما أن اليمين المتطرف في لبنان لا يعرف من هو الفلسطيني، سوف نحاول مساعدته في التقرب من هذا الكائن.

أيها العنصري البغيض: أن أكون فلسطينياً يعني أن أعشق وطناً أعرف اسمه ولم أراه. أن أكبر وأنا لا أعلم أين سوف أكون غداً، لأنني ممنوعاً من الاستقرار ومن التفكير في المستقبل، وعلي أن أحارب نيابة عن أمة الضاد، لأني القومي العربي الأول. وأن أحارب نيابة عن جميع المسلمين، فأنا حامي الأقصى الشريف وهو تكليف خصني به رب العزة،. ثم يجب أن أقاتل نيابة عن جمع الأحرار والشرفاء في العالم، فأنا الأخ والرفيق والمناضل الأممي الأول ضد الامبريالية العالمية، وضد الاستعمار وضد العولمة.

ثم أجدهم يشيدون بي في الخطابات والمهرجات والمؤتمرات والقاعات المغلقة، ويكيلون لي المديح وينظمون قوافي الشعر في وصفي، لكنني يا حسرة حافي القدمين، فأنا الضحية الأولى في كل الأزمات.

أن أكون فلسطينياً يعني أن أرضع من ثدي أمي مع حليبها الإحساس بالقهر والظلم، وكذلك أرضع التحدي والرجولة والإصرار، وأرضع مفردات السياسة ومصطلحات الفلسفة وأسماء الأسلحة.

وحين أصبح مراهقاً يجب علي أن أقرأ الشعر وأحفظه ثم أكتب القصائد وأكون ملماً بأنواع وبحور الشعر وأسماء كبار الشعراء.

وحين أصبح شاباً أُعتقل، ليس مهماً أين، قد أُعتقل عند الأعداء الطبيعيين، وقد أُعتقل عند الأشقاء العرب. وكذلك ليس مهماً التهمة فهي موجودة دوماً بانتظاري لأنني فلسطيني.

حين أكون فلسطينياً أيها الأرستقراطي الكريه، فهذا يعني أنني أحفظ أسماء الشهداء منذ ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 حتى اليوم. وأن أعلم أعداد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وفي المعتقلات العربية.

أن أكون فلسطينياً، يعني أن أكون صاحب الكوفية الفلسطينية، التي حملت منذ قرن من الزمن معاني الشرف والنضال والإباء والتضحية. وأصبحت الكوفية الفلسطينية منذ العام 1936 رمزاً للهوية الوطنية الفلسطينية، وشعاراً يلتف حوله الأصدقاء والمناصرون والمتعاطفون معها في كل بقاع الأرض.

أخيراً

لبنان الذي تغزّل بها الشاعر السوري الكبير نزار قباني، وبيروت النجمة والخيمة الأخيرة للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، ليست لبنان بوجهها القبيح الذي أظهرته اليوم.

إن هذه الأصوات الشاذة لا تمثل لبنان الآخر, لبنان الشرفاء والمناضلين الذين احتضنوا فلسطين وشعبها وقضيتها على مدى عقود، وساهموا بصورة فعلية في معركة تحرير فلسطين، واختلطت دماءهم العطرة مع دماء الشهداء الفلسطينيين، في خطوط المواجهة مع قوات المغتصب الصهيوني.

لا يعبرون عن لبنان العزة والكرامة، لبنان الثقافة والمعرفة، لبنان الحريات والتطور. لبنان الحياة والمحبة والتعايش والسلام، وليس لبنان الذي يريده أولئك الشعبويين.