القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو سوريا.. حق العودة أساس الصراع

فلسطينيو سوريا.. حق العودة أساس الصراع

علي بدوان

بعيداً عن الملاحظات التي رافقتها، وعن الالتباسات التي وقعت، وسقوط عدد كبير من الشهداء، فقد شكلت فعاليات إحياء ذكرى النكسة التي جرت على الحدود السورية في الجولان المحتل مع فلسطين، تحولاً نوعيّاً إضافياً في مسار العمل الوطني لفلسطينيي الشتات، واللاجئين منهم على وجه الخصوص.

لقد استكمل الفلسطينيون في سوريا فعاليات إحياء ذكرى النكبة التي جرت بنجاح جيد يوم الخمس عشر من مايو الماضي، بفعالية موازية مع مرور ذكرى نكسة يونيو واحتلال ما تبقى من أرض فلسطين فضلاً عن الجولان وسيناء. وقد تمت تلك الفعالية النوعية الجديدة على طول الحدود بين فلسطين والجولان السوري المحتل، فانتقل الشبان الفلسطينيون هذه المرة بين ثلاثة مواقع في الجولان، واحدة منها تقابل بلدة مجدل شمس في موقع عين التينة، وواحدة منها في تخوم مدينة القنيطرة، والثالثة في قرية الحميدية على خط وقف إطلاق النار.

سال الدم الفلسطيني والسوري على أرض الجولان هذه المرة بغزارة، مع سقوط خمس وعشرين شهيداً، وأكثر من (350) جريحاً في شهادة الدم لولادة جديدة لثورة فلسطينية على يد لاجئي الشتات الفلسطيني، أبناؤها هم أبناء الجيل الثالث والرابع من أبناء النكبة الفلسطينية الذين تدافعوا باتجاه العبور نحو فلسطين ليسقطوا الشهيد تلو الشهيد والجريح تلو الجريح.

إن دلالات فعاليات يوم إحياء ذكرى النكسة، أعادت تكريس وتثبيت دلالات ما حصل يوم إحياء ذكرى النكبة على جبهة الجولان في الخامس عشر من مايو 2011، فاحترقت ورقة الرهان الأميركي الصهيوني على عامل الزمان التي كانت تقول بأن "الكبار يموتون والصغار ينسون"، واحترقت ورقة الرهان على عامل المكان من خلال تشتيت الفلسطينيين والقول "إن الفلسطينيين شعب صغير سيندثر تحت أقدام الفيلة".

وعليه، فقد أثبت الجيل الفلسطيني الشاب الذي لم يبصر النور على أرض فلسطين، وقد ولد بعد عقود من النكبة، أنه أشد اندفاعاً وحنيناً مما يمكن تصوره على الإطلاق، فالشهداء جلهم من الشباب الذين حملوا فلسطين في أفئدتهم حالمين بها، وبالعودة إليها مهما طال الزمن.

لقد جرت فعاليات إحياء النكسة هذه المرة بينما قامت قوات الاحتلال بعيد نجاح الشبان الفلسطينيين بالعبور إلى مجدل شمس واختراق خط وقف إطلاق النار في المرة الماضية، بإعادة انتشارها على طول جبهة الجولان، وتحصين المواقع المتوقعة كمعابر للاختراق من قبل الشباب الفلسطيني والسوري، وقد تضمنت تلك التحصينات إضافة لزرع ألغام جديدة من أنواع مختلفة، إقامة سواتر ترابية عالية، وأسلاك شائكة مضاعفة معيقة، وقناة مائية بعرض عشرين متراً، وتحشيد قوات غفيرة، وتركيب أبراج مراقبة وبداخلها مواقع للقنص، وكاميرا تصوير تبث مباشرة إلى قيادة جيش الاحتلال في وزارة الحرب الصهيونية في تل أبيب.

فقيادة جيش الاحتلال وضعت أمامها تصوراً واحداً عنوانه أن يوم إحياء ذكرى النكبة الذي وقع في مايو الماضي باختراق وتحرير مجدل شمس من قبل المئات من الشبان الفلسطينيين والسوريين لن تدعه يمر مرة ثانية لا في الجولان ولا في غير الجولان على حد تعبير قيادات جيش الاحتلال وحكومة نتنياهو التي ارتعدت فرائصها من ثورة الشتات الفلسطيني وتدفق الناس باتجاه الحدود مع فلسطين.

فالخلفية السياسية والعملية لما جرى في حينها أرعب قادة "إسرائيل" الذين اعتقدوا بأن قضية الشتات واللاجئين الفلسطينيين قد انتهت وأن الزمن قد طواها للأبد، وهو ما دفع برئيس حكومة "إسرائيل" بنيامين نتنياهو للقول بأن (إسرائيل) تعيش صراع وجود وليس صراع حدود".

إن كل العوائق والسواتر، وتلك النيران التي أطلقت لم تكبح روح الاندفاع عند الشباب الفلسطينيين والسوريين الذين اندفعوا بالمئات باتجاه خط وقف إطلاق النار، وهم يحاولون العبور باتجاه فلسطين. فمن حاول منهم اجتياز القناة المائية أطلقت النار عليه فورًا من قناص صهيوني. ومن نجح في اجتياز هذه المرحلة أيضاً، وصل إلى حقل الألغام ... ومع ذلك فقد نجح ثلاثة شبان فلسطينيين في اجتياز خط وقف إطلاق النار، فاعتقلتهم قوات الاحتلال، ورمت بهم باتجاه الطرف السوري.

لقد كتب المراسل العسكري الصهيوني لصحيفة "يديعوت" اليكس فيشمان مقالاً قال فيه إن "الجيش الإسرائيلي" يجد نفسه يستعد أمام جبهة جديدة/ قديمة في هضبة الجولان، خشيتها من احتمال تحول الحدود السورية إلى بؤرة احتكاك دائمة كما هو الحال مثلاً مع قرية بلعين في الضفة الغربية، معتبرًا أن قيادة "الجيش الإسرائيلي" انتبهت إلى أن "أولئك الفلسطينيين السوريين الذين وصلوا إلى القنيطرة ومجدل شمس أبدوا تصميماً وتضحية، ما قد يعقد استمرار المواجهة في المرات القادمة، فالمتظاهرون لم يفروا بعد صليات النار الأولى، بل استمروا في الوصول، موجات موجات، رغم النار الدقيقة للقناصة".

لقد سقط خمس وعشرون شهيداً، وأكثر من (350) جريحاً، من عموم مخيمات وتجمعات الشعب الفلسطيني في سوريا من (مخيم اليرموك، مخيم السبينة، من مخيم خان الشيح، من مخيم النيرب، مخيم جرمانا، مخيم الوافدين، مخيم الحسينية، ومن تجمع دمر) ومعهم عدد من الشهداء والجرحى من أبناء الشعب العربي السوري، حيث استطاع جيش الاحتلال أن يقنص الشباب بكل خسة ودون ضمير ودون وازع، ولم يواجههم هذه المرة بالرصاص المطاطي مثلاً أو الغاز المسيل للدموع بل بالقنص بالرصاص الحي الخارق مباشرة، وهو ما أدى لسقوط عدد كبير من الشهداء.

إن الاعتداء الصهيوني الذي وقع على الشبان الفلسطينيين والسوريين في مناطق مختلفة من الجولان أثناء إحيائهم فعاليات النكسة هو اعتداء على مدنيين عزل احتشدوا على خط فصل القوات في الجولان السوري المحتل مؤكدين حقهم الطبيعي والقانوني في تحرير الأرض وفي العودة، الأمر الذي يؤكد حقيقة إرهاب الدولة الذي تمارسه "إسرائيل" وحقيقة النزعة العدوانية "الإسرائيلية".

أخيراً، لقد أعادت الفعاليات التي أحياها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا في ذكرى النكبة وذكرى النكسة التأكيد مرة ثانية بأن حق العودة هو الأساس في الصراع مع المشروع الصهيوني الذي قام على الأكذوبة الكبرى التي روجتها الحركة الصهيونية العالمية تحت عنوان "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".