نبيل السهلي
طرح الازدحام الكبير للاجئين الفلسطينيين
خلال الآونة الأخيرة أمام وداخل السفارة الفلسطينية في دمشق، بغرض الحصول على جواز
السفر الفلسطيني، طرح أسئلة حول الأوضاع البائسة للاجئين وبحثهم عن الهجرة إلى خارج
سوريا بهدف تحسين ظروفهم بكافة الجوانب.
ويكمن السبب الرئيسي في التسارع لإصدار
الجواز تخفيض الرسوم إلى ما يعادل عشرة دولارات؛ بغض النظر عن عمر المتقدم ؛ فضلاً
عن رغبة مئات العائلات الفلسطينية للهجرة إلى الدول الأوروبية في الدرجة الأولى، وليس
إلى دول الجوار الجغرافي العربية التي اعتبرت قضية اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إليها
بسبب التهجير القسري ؛ قضية أمنية بامتياز وليست قضية إنسانية ؛ وكمتابع هجرت إلى لبنان
من مخيم اليرموك في نهاية عام 2012، فإن هاجسي الأول هو الفرار باتجاه أوروبا وعائلتي،
كغيري من أبناء شعبي المهجرين من مخيمات سوريا إليها قسراً؛ وفي هذا الإطار أعتقد جازماً
أن عملية االتسريع في إصدار الجواز الفلسطيني بأسعار مخفضة ليستحوذ عليه أي لاجئ فلسطيني
في سوريا ويسهل عليه بعض الدول في العالم أمر جيد، في وقت برزت إلى الأمام إشاعات حول
مخططات لتهجير ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
تشتت اللاجئين
بعد استقرار دام لنحو أربعة وستين عاما،
لم تفلح خطابات النأي بالنفس من دخول اللاجئين في المعادلة السورية ؛ وتبعا لذلك تمت
عملية نزوح طالت أكثر من 200 ألف فلسطيني من مخيمات اللاجئين في سوريا إلى المنافي
البعيدة والقريبة حتى منتصف العام الحالي 2021؛ من أصل مجموع اللاجئين الفلسطينيين
المقدر بنحو (635) ألفاً، ناهيك عن النزوح الداخلي الذي طال (40) في المائة ممن تبقوا
في سوريا؛ وبأرقام مطلقة تصل إلى (174) ألف فلسطيني من أصل (435) ألفا هم مجموع اللاجئين
الفلسطينيين الذين يتركزون في سوريا الآن.
وقد شهدت غالبية المخيمات الفلسطينية في
سوريا تدميراً كبيراً، الأمر الذي أدى إلى حالات نزوح شبه شاملة، وخاصة مخيم اليرموك،
مخيم درعا، مخيم حندرات في حلب، مخيم خان الشيح إلى الغرب من العاصمة السورية دمشق،
وكذلك مخيم الحسينية في جنوب دمشق.
ولهذا زادت ظاهرة النزوح الداخلي أيضاً
بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا؛ مع الإشارة الى عودة عائلات قليلة إلى مخيمات خان
الشيخ واليرموك والحسينية .
موجة النزوح الكبرى
وقد وقعت موجة النزوح الكبرى بعد قصف طائرة
ميغ حربية جامع عبد القادر الحسيني في وسط مخيم اليرموك، في يوم الأحد 16-12-2012 في
تمام الساعة الثانية عشرة وخمس وأربعين دقيقة ظهرا وتدمير القسم الأكبر منه ؛وقد استشهد
إثر تلك العملية (120) من النازحين الفلسطينيين والسوريين داخل المسجد وجميعهم من سكان
منطقتي التضامن والحجر الأسود المحاذيتين للمخيم ؛ وقد اعتبر اليوم المذكور منحى جديدا
للحالة الفلسطينية في سوريا.
قدر مجموع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين
في سوريا في عام 2012 بنحو (534) ألف لاجئ فلسطيني إضافة إلى (62) ألف نازح فلسطيني
من الضفة الغربية وقطاع غزة، اضطروا النزوح إلى سوريا خلال عامي 1967 و 1970.
وبالنسبة إلى التوزع الجغرافي للاجئين الفلسطينيين
في سوريا حتى عام 2012 ؛ فتشير دراسات متخصصة، إلى أنه كان يتركز (67) في المائة من
إجمالي مجموع اللاجئين في العاصمة السورية دمشق حتى نهاية عام 2012، والمخيمات القائمة
في ضواحيها.
في حين توزع (33 ) في المائة على المحافظات
الأخرى. وبشكل عام، كان يقطن اللاجئون في تسعة مخيمات في سوريا معترف بها من قبل وكالة
أونروا نحو (30) في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين في سوريا، وترتفع إلى (60) في
المائة إذا أخذنا في الاعتبار مجموع سكان مخيم اليرموك من اللاجئين الفلسطينيين الذي
وصل إلى (151) ألف لاجئ فلسطيني في نهاية عام 2012.
ولايعتبر مخيم اليرموك مخيماً وفق تصنيفات
الأونروا رغم انتشار خدمات الأونروا من صحة وتعليم بشكل كبير، نظراً لأنه كان يدار
من قبل وزارة الإدارة المحلية السورية عبر بلدية اليرموك.
وقد وصل العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين
إلى سوريا بعد النكبة الكبرى عام 1948، حيث طبق الصهاينة سياسة سكانية قامت على الاقتلاع
والتطهير العرقي، وأدت إلى طرد (850) ألفا من الفلسطينيين خارج أرضهم، ووصل من بين
هؤلاء (85)ألفا إلى سوريا، كانوا يمثلون (10) في المائة من اللاجئين المقتلعين من فلسطين
إثر النكبة عام 1948، واستمرت عمليات ترحيل محدودة للفلسطينيين إلى سوريا، حتى النصف
الأول من عقد الخمسينيات.
وثمة (90) في المائة من اللاجئين بشكل عام
من الجليل والساحل الفلسطيني.
موجات ثانية
مرة أخرى ونتيجة ظروف سياسية واجتماعية
واقتصادية، مرتبطة بما تعرض له الشتات الفلسطيني من أزمات استقبلت سوريا عام 1956،
موجات أخرى من اللاجئين الفلسطينيين من لبنان ودول مضيفة أخرى للاجئين، وشكل هؤلاء
فئة خاصة من حيث تعامل القانون السوري معهم، وإن كانوا قد أضيفوا إلى الكتلة الأساسية
التي وفدت سنة 1948، والسنوات التي تلتها.
وإثر عدوان 1967 قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي
بطرد (460) ألف فلسطيني من الضفة الغربية والقطاع، حسب معطيات الجامعة العربية.
وأدت عمليات الطرد القسري الجديدة إلى مجيء
أعداد أخرى من الفلسطينيين إلى سوريا، وبسبب الأحداث التي شهدها الأردن عام 1970 وفدت
إلى سوريا أعداد قليلة من النازحين الفلسطينيين.
وتشير دراسات وتقديرات غير رسمية إلى أن
مجموع النازحين الفلسطينيين الذين أتوا إلى سوريا خلال السنوات المشار إليها بلغ نحو
(62) ألفا خلال عام 2012 ، لكن قسما كبيرا من هذه الفئة نزح إلى مصر ومن ثم إلى قطاع
غزة .
الحفاظ على العادات
ويشار إلى أن اللاجئين في المخيمات كانوا
يعيشون في غالب الأحيان في مناطق وأحياء تجمع أهالي قرية المنشأ في فلسطين، ما أدى
إلى الحفاظ على بعض العادات والتقاليد، فنرى في اليرموك على سبيل المثال لا الحصر تجمع
أهالي طيرة حيفا في حارة خاصة بهم جنوب المخيم، وأهالي صفورية في وسطه، وأهالي قرية
بلد الشيخ في حي التضامن المجاور، في حين يعيش اللاجئون الفلسطينيون في سوريا في التجمعات
خارج المخيمات في أحياء داخل المدن السورية وفق نسق اجتماعي متداخل إلى حد كبير، وهناك
حالات تزاوج كثيرة بين اللاجئين والشعب السوري خصوصاً في مدينتي درعا ودمشق .
وتعود أصول اللاجئين الفلسطينيين في سوريا
إلى (300) قرية في الجليل والساحل الفلسطيني، وتتبع (16) مدينة هي مراكز أقضية في فلسطين،
مثل حيفا، الناصرة، طبرية، صفد، عكا، بيسان، ويافا، والقدس، جنين وغيرها من المدن الفلسطينية،
وقد ساهم اللاجئون الفلسطينيون في العمل الفدائي منذ بداياته في عام 1965 وقدموا الآلاف
بين شهيد وجريح وأسير .
يواجه من تبقى من اللاجئين الفلسطينيين
في سوريا حالة بؤس وفقر شديدين في ظل التردي الاقتصادي، وتراجع مساعدات الأونروا وكذلك
اضمحلال المساعدات من الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ في وقت ارتفعت
فيه إيجارات المنازل والسلع الضرورية؛ وتصل نسبة معدلات الفقر المدقع الى (91) في المائة
من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ولهذا تسارع كل عائلة فلسطينية لإصدار جواز
سفر علها تصل إلى خشبة الخلاص من الفقر والبؤس ، للوصول إلى دولة أوروبية بشكل فردي
أو عائلي حتى لوعبر قوارب الموت، فهم يستحقون الحياة قبل أي شعار سياسي.