القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو سوريا وتراجع المرجعية

فلسطينيو سوريا وتراجع المرجعية

بقلم: علي بدوان

”موطن الخلل في أوضاع الفلسطينيين في سوريا أن مجموع القوى الفلسطينية العاملة في الوسط الفلسطيني في سوريا (مُخيمات وتجمعات) وعددها خمسة عشر فصيلًا، لم تستطع حتى اللحظة من توفير غطاء ومرجعية وطنية لعموم الفلسطينيين في سوريا، لأسباب تتعلق بالخلافات والتباينات في صفوفها، وقصور رؤية بعضٍ منها لمسار الأحداث العاصفة التي ضَرَبَت وما زالت تَضرِبُ بمفاعيلها الحالة العربية من أقصاها إلى أقصاها.”

لم يَتعَرّض أي تَجَمُعٍ فلسطيني خارج فلسطين لمحنة كبرى كما تَعَرَّضَ ويتعرض لأجواء فلسطين سوريا. فقد باتت محنتهم وكأنها محنة مُستدامة في ظل اللعبة الخفية التي استهدفت وجودهم المؤقت فوق الأرض العربية السورية، وبالتالي في دفعهم للخروج عبر كل الطرق من سوريا في تغريبة جديدة، أقسى من النكبة الأولى عام 1948. وكل ذلك لدفعهم نحو نسيان الوطن الفلسطيني، ونسيان حق العودة، وإبعادهم عن المنطقة وعن الجوار المباشر لفلسطين.

لقد أدّت الأزمة السورية، وبتداعياتها، ونكبة عددٍ من المخيمات الفلسطينية، وخاصة مخيم اليرموك، لخروج أعدادٍ كبيرة من فلسطينيي سوريا من البلد باتجاه هجرات جديدة عبر قوارب الموت، حيث تُشير مختلف المعطيات الموثقة، أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين في سجلات وكالة أونروا، وصلت لنحو 560 ألف مواطن فلسطيني مع بداية العام 2016. لكن أعدادًا لا بأس بها منهم قد باتت خارج البلد عبر عمليات النزوح والهجرة. وقد وصلت أعداد من خرج من سوريا حتى أوائل شهر حزيران/يونيو الجاري، إلى نحو 235 ألف لاجئ فلسطيني، يتوقع أن تتزايد أعدادهم مع المراحل التالية من لمِّ الشمل إلى البلاد التي وصلوها. وتقدر أعدادهم التفصيلية كما يلي وفق مكان الهجرة: الأردن نحو (15500) لاجئ فلسطيني سوري. لبنان نحو (42.500) لاجئ فلسطيني سوري. مصر نحو (6000) لاجئ فلسطيني سوري. تركيا نحو (8000) لاجئ فلسطيني سوري. قطاع غزة نحو (1000) لاجئ فلسطيني سوري. ونحو 120 ألفا وصلوا إلى أوروبا، وتحديدًا ألمانيا السويد هولندا النمسا والدانمرك، إضافة لدول أخرى مثل بلغاريا ورومانيا وهنغاريا وروسيا. وبضع آلاف وصلوا ماليزيا واستراليا ونيوزلندا وكندا والولايات المتحدة والبرازيل.

الطامة الكبرى في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أنهم أصبحوا عمليًّا بلا مرجعية ملموسة، أو تراجعت أدوار المرجعية المُمثلة لهم بأحسن الأحوال، وقد تحللت مُعظم الفصائل والقوى الفلسطينية عن معظم مسؤولياتها المطلوبة تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين يعيشون الآن أوضاعًا صعبة نتيجة الانعكاسات العامة للأزمة الطاحنة في سوريا عليهم وعلى أحوالهم من جوانبها كافة.

فلماذا وصلت الأمور إلى هذه الحال؟ وهل من الإنصاف أن تُهمَلَ أوضاع فلسطينيي سوريا بهذا الشكل من قبل مجموع القوى والفصائل والجهات الرسمية الفلسطينية، وهم الذين كانوا على الدوام الخزان البشري الذي لا ينضب الذي زود تلك الفصائل وعموم الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة بآلاف من المُنتسبين والأعضاء الذين سقطوا في ساحات العمل الوطني الفلسطيني..؟

في حقيقة الأمر، وحتى لا نُتَّهَم من قبل بعض المُتسرعين بالبعد عن الموضوعية، وجلد الذات، أو التجني أو التحامل على مجموع القوى والفصائل الفلسطينية العاملة في الساحة السورية، فإننا نبدأ القول بأن الحديث عن غياب دور القوى والفصائل والمنظمة، لا يعني البتة المساس بمنظمة التحرير الفلسطينية ومكانتها، ولا يعني شطب أو نكران دورها الوطني والتاريخي، ولا يعني إجمال ووضع جميع فصائلها في بوتقة واحدة من حيث الدور والمسؤولية، فهي منّا ونحن منها، والحديث عنها يأتي من موقع الحرص على دورها المنشود والمطلوب من قبل الشارع الفلسطيني في سوريا الذي بات يَصرَخ كل يوم مُتسائلًا عن دور المنظمة وتلك القوى في هذه الفترة بالذات حيث يعيش فلسطينيو سوريا لحظات حاسمة من تاريخ وجودهم المؤقت فوق الأرض السورية، فيما القلق يساور كل فرد منهم، بعد أن باتت الحالة الضبابية تُسيطر على أوضاعهم بشكلٍ عام، وهي تحمل مُؤشراتٍ مُخيفة لمستقبلهم في ظل تفاعلات الأزمة الداخلية السورية وتشظيها، ودخول مختلف الأطراف الإقليمية والدولية على خطوطها ومساراتها، وبأجندات مختلفة.

موطن الخلل في أوضاع الفلسطينيين في سوريا أن مجموع القوى الفلسطينية العاملة في الوسط الفلسطيني في سوريا (مُخيمات وتجمعات) وعددها خمسة عشر فصيلًا، لم تستطع حتى اللحظة من توفير غطاء ومرجعية وطنية لعموم الفلسطينيين في سوريا، لأسباب تتعلق بالخلافات والتباينات في صفوفها، وقصور رؤية بعضٍ منها لمسار الأحداث العاصفة التي ضَرَبَت وما زالت تَضرِبُ بمفاعيلها الحالة العربية من أقصاها إلى أقصاها.

وفي هذا السياق، فإن الموقف المسؤول من قبل عدد كبير من الكوادر الفلسطينية السابقة في صفوف العمل الوطني الفلسطيني في سوريا، ركز على ضرورة وضع كل الخلافات والتباينات، والثارات، والأحقاد التاريخية، والضغائن، وتصفية الحسابات والحسابات الضيقة والعصبيات التنظيمية، والتحريض، والمواقف المسبقة بين مختلف القوى، من خلال الارتقاء والسمو بالوعي الوطني العام وإعمال العقل وصولًا للتوافق على عنوان واحد يتمثل في ضرورة العمل من أجل حماية وتوفير شبكة جيدة من الأمان لفلسطينيي سوريا، تَضمَن سلامتهم بالحدود المُمكنة، وتَضمَن توفير وزيادة منسوب الدعم المناسب والمُمكن للمحتاجين منهم وهم يصارعون مشقة العيش وشظفه بعد أن تعطلت سُبل العمل بأرباب أُسَر آلاف العائلات نتيجة الوضع القائم في البلاد.

ومن المفارقات الملحوظة أن وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى والمسماة بـ(وكالة أونروا) تفوّقت على دور القوى الفلسطينية من خلال برامج العمل التي بادرت إليها في الوسط الفلسطيني في سوريا، وقد زار المفوض العام للوكالة (بيير كريهنبول) ممثلًا للأمين العام للأمم المتحدة أطراف مخيم اليرموك أوائل الشهر الماضي أيار/مايو 2016 لتفقد أوضاع الناس، وزار أيضًا بعض منشآت عمل الوكالة، وقام بجولة في عددٍ من مدارس الوكالة، كما تفقد بعض مراكز الإيواء المؤقت الفلسطينيين الذين تركوا منازلهم بحثا عن الأمان.

وعليه، إن منظمة التحرير الفلسطينية، وتحالف القوى الفلسطينية المعارضة، ومجموع القوى الفلسطينية مدعوة لزيادة اهتماماتها الملموسة تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، لجهة تطوير دورها المرجعي المنوط بها، والمُفترض، كمرجعية حقيقية وفعلية للناس، وزيادة دورها على صعيد تقديم العون المادي والعيني المطلوب للتخفيف من أعباء المحنة الكُبرى والنكبة الثانية التي أصابت فلسطينيي سوريا.