القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

فلسطينيو سورية بين الموت انتحاراً والعيش قهراً وكمداً

فايز أبو عيد

أدت الحرب السورية المستمرة وما خلفتها من تبعات سلبية على كافة الصعد النفسية والاجتماعية والاقتصادية إلى جنوح بعض الشبان الفلسطينيين نحو إنهاء حياتهم بطريقة أو بأخرى.

وتتنوع الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطيني في سورية نحو الانتحار، ويرجح الباحثون النفسيون عدة أسباب لإقدام المرء على إنهاء حياته بيده، أحد أهم الأسباب هو الاضطرابات النفسية فقد يؤدي حدوث الاكتئاب أو الانفصام أو الاضطراب المزاجي إلى الميل نحو إيذاء النفس ومحاولة إنهاء الحياة، وضعف الوازع الديني لدى النشء، والمشكلات الاجتماعية، المتمثلة بعجز الشباب عن تأمين معيشة لائقة لهم ولأسرهم ويأسهم في تأمين مستقبل آمن أو السفر خارج البلاد للحصول على حياة أفضل وحرمانهم من أبسط حقوقهم كبشر.

فقد سجلت في سورية وخارجها بعض الحالات لفلسطينيين قاموا بقتل أنفسهم بشكل متعمد أو حاولوا فعل ذلك، منهم ما يقارب ثلاث حالات لمجندين ضمن صفوف جيش التحرير الفلسطيني، قاموا بإطلاق النار على أنفسهم مما أدى للوفاة.

في حين سُجلت يوم 19/12/2013 حالة انتحار في مخيم اليرموك، وذلك بسبب الحصار المشدد الذي فرضه الجيش النظامي على المخيم، حيث أقدم مازن العسلي "18 سنة"، على الانتحار بعد عجزه عن تأمين الطعام لوالدته وشقيقاته.

هذا وسجلت عدد من حالات الانتحار بين أواسط الفلسطينيين السوريين في لبنان، نتيجة الظروف المادية والمعيشية الكارثية التي يواجهونها وفقدانهم الأمن والأمان ومصادر الدخل وانتشار البطالة بينهم، فقد أقدم محمد ملسي (35 عاما) الذي هرب من موت محتمل في مخيم اليرموك إلى لبنان، على الانتحار بعدما وجد نفسه عاجزا عن تأمين لقمة العيش لعائلته، فلف عنقه بسلك وشنق نفسه يوم 16/12/2013 بينما كانت زوجته وبناته الأربع ينتظرن عشاء وعدهن به.

إلى ذلك قام الراقص الفلسطيني السوري، حسن رابح (25 سنة)، بالانتحار من خلال رمي نفسه من شرفة الشقة التي يقطنها في شارع الحمرا في العاصمة اللبنانية بيروت، يوم الأربعاء 22/ 6 / 2016. وبحسب ما تداول أصدقاء حسن على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الأخير عانى من ظروف نفسية وعصبية صعبة خلال العامين الأخيرين اللذين قضاهما في بيروت، بعد أن أجبرته الأحداث الأمنية في سورية على مغادرتها.

بدوره حاول لاجئ فلسطيني من أبناء مخيم اليرموك يقيم في مخيم البداوي شمال لبنان الانتحار عدة مرات عبر طرق مختلفة منها إلقاء نفسه من الطابق السابع من مكان اقامته، وشرب مواد كيماوية، وتناول كمية كبيرة من الحبوب، وذلك بعد أن تساوت عنده الحياةُ والموت، جراء ما مر به من ظروف قاسية منها انفصال والدته عن والده قبل الأحداث في سورية، ومن ثم اعتقاله من قبل الأمن السوري عام 2011 وتعرضه لشتى أنواع التعذيب والضغط النفسي، ومن ثم لجوئه إلى لبنان وما واجهه من آلام ومصاعب أدت إلى إصابته بحالة انهيار تام.

أم محمد لاجئة فلسطينية من أبناء مخيم الحسينية مهجرة إلى لبنان حاولت الانتحار أكثر من ثلاث مرات جراء الخلافات العائلية وظلم الزوج والضغوط النفسية التي مورست عليها، خاصة بعد تهجيرهم من مخيم اليرموك، إضافة لإصابة نجلها بسرطان في الدماغ وما عانته من رحلة علاجه المكلفة والشاقة التي لا طاقة لها عليها.

وحول أسباب لجوء عدد من فلسطينيي سورية في لبنان للانتحار قال الإعلامي "فارس أحمد" في تصريح لــ "مجموعة العمل":" إنه ولأسباب بمعظمها باتت معروفة وجزء منها مجهول، تتزايد حالات الانتحار أو محاولات الانتحار لدى صفوف اللاجئين الفلسطينيين السوريين في لبنان، بل أن الكثير منهم حاولوا عرض (الكلية) للبيع على أمل أن يساعدهم ثمن الكلية التي يتراوح ما بين 3000 و5000 دولار أمريكي في الهجرة إلى أوروبا للحصول على حياة أفضل.

مضيفاً أنه وفي رصد لحالات الانتحار وفقاً لمعطيات غير دقيقة، فإن هناك حوالي 9 حالات لمحاولات انتحار في العاصمة اللبنانية بيروت خلال السنة المنصرمة 2020، بسبب الوضع المعيشي والاجتماعي المركب والمعقد، فضلا عن عدم التكيف مع البيئة الجديدة(لبنان) على الرغم من وجودهم لسنوات في هذه البيئة، إلا أن الكثير من الأوراق الضاغطة الأخرى مثلاً فقدان الأوراق الثبوتية نتيجة الحرب في سوريا، أو وجودهم غير الشرعي وبقاءهم في حالة من الضياع.

وأشار فارس إلى أن كل هذه الأسباب وغيرها تجعل من اللاجئ الفلسطيني السوري يمر بحالة من عدم التوازن مع فقدان أي دور حقيقي لمعالجة أوضاعهم من قبل المؤسسات والفصائل المعنية (الأونروا – الفصائل الفلسطينية- السفارة الفلسطينية) على كافة المستويات.

أما في تركيا ألقى (ع) ابن مخيم اليرموك - نتحفظ عن ذكر اسمه – برمي نفسه من شرفة منزله في الطابق الرابع بسبب الضغوطات النفسية التي كان يعاني منها والتي تمثلت برعاية أخيه العاجز الفاقد لتوازنه، والقدرة الطبيعية على الكلام والحركة، الناجمة عن تعرضه لحادث سير، منذ عدة سنوات، وفشله عدة مرات في الوصول إلى أوروبا لعلاج أخيه.

لا توجد إحصائيّات دقيقة بأعداد المنتحرين بين أواسط الفلسطينيين السوريين بشكل عام، نتيجة عدم وجود جهات توثّق مثل هذه الحالات، غير أن المتتبع لحالات الانتحار التي حصلت يلاحظ أن معظمها كانت من الشباب، الذين عاشوا ظروفاً قاهرة لا يمكن تخيلها، بداية من القمع والخوف والملاحقات، وصولاً إلى انعدام الأمن على كافة المستويات، وتحديداً الأمن الاقتصادي والغذائي، وبقاؤهم في حالة من الضياع هو الذي زاد الطين بِلّة و دفعهم إلى الانتحار

وأخيراً يمكن القول: "على الرغم من أن عدد حالات الانتحار بين فلسطينيي سورية لا تزال منخفضة مقارنة بالمجتمعات الاخرى، إلا أن الانتحار يبقى أحد أهمّ ردود الفعل التي يمارسها بعض الاشخاص في محاولة للهرب، وربما الاحتجاج، على واقع أليم لا يرحم أحداً"، لذلك يتوجب على المسؤولين والمعنيين الوقوف على الأسباب المؤدية لانتشار هذه الظاهرة الخطيرة ومعالجتها، لإنقاذ المجتمع من استفحالها بشكل أكبر.