القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو سورية... حضور بطعم الغياب!

فلسطينيو سورية... حضور بطعم الغياب!

بقلم: ماهر شاويش

بعد نحو أربع سنوات على الأزمة السورية، ارتقى فيها ما يزيد على 2500 شهيد فلسطيني، ووقع آلاف الجرحى، فضلاً عن مئات المعتقلين والمختطفين من فلسطينيي سورية، وحجم هائل من دمار المنازل والممتلكات في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وآلاف النازحين، بعد هذا كله لا يزال ملف فلسطينيي سورية "متروكاً بعناية"، وهو أدقُّ وصف لطبيعة تعاطي صانع القرار الرسمي الفلسطيني، بالدرجة الأولى، وكذلك مجمل الجهات المعنية بهذه الشريحة من أبناء شعبنا، سواء في الحيّز الوطني أو الإطار العربي والإسلامي، وحتى العالمي، بما تمثّل هذه الأطر من مرجعيات سياسية وقانونية وإنسانية.

فعلى المستوى الوطني، كان من المفترض أن تتقدم مصلحة الشعب الفلسطيني في سورية سلّم الأولويات، وأن تُحيَّد مصالح جميع الفصائل الفلسطينية جانباً على الأقل في هذا الملف، ولا سيما أن الاتفاق على مبادرةٍ وحلٍّ كان من الصعوبة بمكان، نظراً إلى اختلاف مواقف الفصائل الفلسطينية أصلاً من الأزمة السورية، حيث يمتلك كل فصيل رؤيته بناءً على تحالفاته وارتباطاته المحلية والإقليمية، وربما العالمية، بالنسبة إلى بعضهم.

أما وأنّ هذا المعيار لم يوضع ولم يُستنَد إليه، فقد ذهبت كل المحاولات التي كانت، أصلاً، خجولة، وعلى استحياء، أدراج الرياح، والخاسر الوحيد كان فلسطينيو سورية.

وعلى المستويين، العربي والإسلامي، اتبعت الدول التي تنضوي تحت هذا الإطار سياسة إدارة الظهر لمعاناة فلسطينيي سورية، فأغلقت حدودها وصمّت آذانها وأغمضت عيونها، لكي لا تسمع ولا ترى أنين الأطفال وآهات الجرحى، ولا حتى قرقعة أمعاء من قضوا جوعى، أو كان لحدَهم الثلج.

وأما العالم المتحضر، فقد أبى أن يستقبل من فلسطينيي سورية إلا من نجا من قوارب الموت أو حيتان البحر وأسماك القرش، فضلاً عمّن غابت أرواحهم، وحضرت أجسادهم، ليحلّوا ضيوفاً على مقابر أوروبا بعد أن لفظهم تراب "بلاد العرب أوطاني"؟

في تحديد المسؤوليات وتبعات ما حصل، الكل مسؤول ولا أحد معفى، وليس ذلك من منطلق التعميم أو التعمية، وإن كانت درجات المسؤولية متفاوتة، كلٌّ بحسب ما قدّم وعمّا أحجم، وبما تمتلك كل جهة من قدرة على التدخل، ووضع حلول وما لديها من علاقات وإمكانات، وما تتمتع به من دالة على طرفي النزاع في سورية، لتبرز هنا المسؤولية الأكبر على منظمة التحرير الفلسطينية التي تدّعي أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. فادعاء التمثيل الشرعي والوحيد يعني، في ما يعنيه، التزام كلّ قضايا هذا الشعب وهمومه في المغرم والمغنم، في الكسب والخسارة، وفي وقت الرخاء والشدة.

حضرت قضية فلسطينيي سورية لدى المنظمة في بازارات السياسة لاسترداد عقار هنا ومكتب هناك، وللمناكفة الداخلية والتنافس غير الشريف على كسب رضا ألدّ أعداء وخصوم الأمس، فيما غابت في الجانب الإنساني والإغاثي وفي توظيف العلاقات الدولية لإيجاد مخارج وحلول منصفة.

كذلك كان الحضور فاعلاً في المحاولات الفاشلة لتمرير مشاريع وصفقات مشبوهة، لإسقاط حق العودة في مقابل غياب متعمد وغضّ طرف واضح، في الحفاظ على الحقوق والتمسك بالثوابت ضمن جولات المفاوضات.

ولا شك في أن لعبة الحضور والغياب لم تقتصر على منظمة التحرير، بل أتقنتها "أونروا" أيضاً، وأطراف أخرى معنية بالجانب الإنساني والإغاثي، التي كانت تستحضر قضية فلسطينيي سورية في جمع التبرعات وإطلاق المناشدات والتباكي على حالهم، فيما كان الغياب واضحاً وجلياً في البرامج الداعمة، على اختلاف طبيعتها، التي طُبِّقت على فلسطينيي سورية في مختلف أماكن وجودهم.

حضور بطعم الغياب، وحصاد مرّ تجرعه أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني سيبقى وصمة عار في جبين الإنسانية جمعاء، ودعاة العالم المتحضر وحقوق الإنسان، ليضاف بأحرف من الخزي والعار إلى سجلاتهم.

المصدر: العربي الجديد