فلسطينيو سورية
حنين وذكريات في استقبال شهر رمضان
بقلم: ظاهر صالح
يهل هلال شهر رمضان،
الشهر الكريم الذي تتنزل فيه الرحمات والبركات والخيرات، ويعود على شعوب البلاد العربية
والإسلامية عاماً بعد عام، فيستعد الأغنياء والفقراء لاستقباله والإحتفاء به وإقامة
شعائره المتعددة والمتنوعة من بلد إلى آ خر، تتزيًن البيوت والأحياء وتضيئ الشوارع
والساحات والفوانيس، يجهز المسحراتي نفسه لايقاظ الناس كل ليلة، تُتلى آيات القرآن
الكريم في البيوت، تزدحم المساجد بالمصلين
ليشهدوا صلوات الجماعة ويقومون الليل ويصلون التروايح.
تمتلئ الموائد
بأنواع وأشكال الأطعمة والعصائر، وتقام الولائم والسهرات الرمضانية كما يصفها البعض وإلى آخر مايقوم به المسلمون من مباهج الشهر
الكريم الذي يتحول عند الكثير إلى عادات وتقاليد وصوراً فولكلورية، وتُنسى المعاني
السامية لهذا الشهرالعظيم.
يطرح الأسئلة على
نفسه .. تتداعى الصور وتتزاحم الأفكار في مخيلته بين ماض وذكريات قد خلتْ بحلوها ومٌرها
وبين حاضر وواقع مرير، ألمتْ به وبمخيمات كانت لقاطنيها وطناً مؤقتاً في بلد كان مضرب
الأمثال بالأمن والأمان والاستقرار.
ها هي الصور لا
تغادر مخيلته وتبقى الذكريات حيًة في وجدانه، وها هو يستعيد لحظات خروج الآباء والامهات
من أرضهم وديارهم، طالما سمع الكثير الكثير
عنها من والديه ومن كبارالسن عن ذاك
الخروج الذي وُصف بالنكبة.
التاريخ يعيد نفسه،
ما أشبه اليوم بالأمس !.. خروجاً قسرياً ونكبات جديدة إلى دول وأقطار قريبة وبعيدة،
غربة، فرقة، وغرق، ومصير مجهول.
يتذكر تلك البيوت
التي كانت تجمع الأهل والأقارب والعائلات مع بعضها البعض، يتذكرعندما كانوا ينتظرون
قدوم شهر رمضان ليلتقي أفراد العائلة على مائدة الإفطار.
صوت المسحراتي
باق في الوجدان وكذلك صوت الضرب على الطبلة، ونداءه على الجيران كل بإسمه.
"يانايم وحدْ الدايم .. ياعباد الله .. وحدوا
الله " ، كلمات لايمكن نسيانها، ترحل روحه حيث وُلد ونشأ هناك، تتجول أفكاره في
شوارع المخيم، يستعيد معها كل لحظة، الأسواق، الأحياء، الناس،الأهل، الجيران الذين
كانوا يتبادلون صحون الطعام قبل موعد الإفطار، ماذا يتذكر؟ صوت المؤذن ، أم إمام المسجد، وتأمين
المصلين على دعاءه، يشعر بضيق في صدره، ورغبة شديدة في البكاء، يُحدث
نفسه قائلاً، ماذا عن اللاجئين؟ وكيف سيقضون أيام وليالي شهر رمضان؟ وهل من يتفكر بهم،
ويشعر بمعاناتهم. كيف كنَا، وأين أصبحنا؟.
الآن يعرف الإنسان
معنى كلمة (وطن.. مخيم.. أمان..استقرار.. أهل . أقارب . جيران .. أصحاب) وكذلك معنى
السكن في بيت لا يطالبه أحد بأجاره نهاية كل شهر، ويعرف قيمة تواجد الأهل والأصدقاء
والجيران الذين فرَقتهم الأحداث الدموية والصراعات، وباتوا يتقلبون بين المحن والنكبات
في نزوح داخلي ولجوء إلى بلدان وأقطار لم تكن
بالحسبان،
( قهر، فقر، تشرد،
ظلم، قتل ، اعتقال، فساد، نزوح، لجوء، تلاوين واشكال للمعاناة ضحيتها البسطاء والفقراء
الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما آلت إليه الأحداث، التي كلما ذًكرت تفاصيلها دفعت النفس
إلى التقزز من مجتمع يبتذل داخله الإنسان وتضيع فيه كرامته.
ثم يعود يواسي نفسه ويُصبرها بقدوم شهر رمضان لبيلسم الجراح،
ويغسل القبح عن وجه الحياة، وتسموا الأفئدة والأرواح طهراً على أصوات التسابيح، وتلاوة
القرآن.
وهكذا تمضي الأيام وتصير ذكريات، كي تمضي الحياة.