فلسطينيو سورية، واقع خطير يُنذر بالأسوأ !
بقلم: علي هويدي
أم جُملة من الأسئلة نطرحها لندرك حجم المخاطر المحدقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الأمر الذي ينذر وللأسف بالقادم الأسوأ..، فماذا يعني استهداف مخيمات اليرموك والحسينية وحندرات والنيرب وغيرها من المخيمات بطائرات الميغ السورية؟ وماذا يعني أن تفشل الاتفاقات التي توقِّعها الفصائل الفلسطينية في السفارة الفلسطينية في سوريا وبرعاية منظمة التحرير الفلسطينية وبموافقة الدولة المضيفة والتي تقضي بضرورة خروج المسلحين من المخيمات وعودة اللاجئين إلى مخيماتهم وتجنيب المخيمات الأزمة الداخلية...؟، ماذا يعني استهداف المخيمات بالسيارات المفخخة وترويع الآمنين لإجبارهم على الرحيل؟، ماذا يعني أن تُبث شائعات القتل وارتكاب المجازر بين اللاجئين، ويتدفق الآلاف من الباحثين عن الأمن والأمان سواءً للداخل السوري أو إلى لبنان وغير لبنان؟، ماذا يعني أن تستمر عمليات القنص والقصف العشوائي وأعمال الخطف والقتل والاعتقال والنهب وإحراق البيوت والمحال التجارية..؟، ماذا يعني أن يُحاصر مخيم اليرموك وغيره من المخيمات ويُمنع عنها دخول الأطقم الطبية والغذاء والطحين والمحروقات..، ويُعدم وبدم بارد من يحاول إدخال رغيف من الخبز إلى المخيم؟، ماذا يعني أن تستمر الاشتباكات المسلحة في المخيمات على الرغم من مناشدات الفعاليات والأعيان والوجهاء وأصحاب الرأي بضرورة خروج جميع المسلحين من المخيمات كي لا تُعطى ذريعة لأي كان باستهداف أي من المخيمات؟، ماذا يعني عدم الانصات للمناشدات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية لتكريس الحياد الإيجابي للمخيمات، والسعي الدؤوب بالمقابل لإدخالها وبالقوة في أتون الأزمة الداخلية؟، وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، ماذا يعني أن يُقفل الأردن حدوده لاستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين كي "لا يكون مضطراً لدفع أثمان سياسية نتيجة الأزمة في سوريا"؟، وماذا يعني أن تفرض الحكومة الليبية على الفلسطينيين حملة الوثائق السورية الحصول على تأشيرة لدخول أراضيها بعد أن فتحت المجال في السابق للعائلات الفلسطينية بالدخول دون تاشيرة بحكم وضعهم الإنساني الطارئ؟، ماذا يعني توقف السفارة المصرية في بيروت عن إصدار تأشيرات الدخول للشباب الفلسطينيين السوريين من عمر 18 ولغاية 40 سنة؟، ماذا تعني الفوضى اللبنانية في استيعاب اللاجئين سواء من السوريين أو الفلسطينيين بعدم توفير مخيمات خاصة على الحدود شأنها في ذلك شأن أي دولة في العالم تتعرض لسيل من اللاجئين؟، ماذا يعني أن يطلب بعض الساسة اللبنانيين إقفال الحدود السورية اللبنانية أمام اللاجئين الفلسطينيين؟، ماذا يعني أن يتخلى المجتمع الدولي عن شعارات المساواة في الحقوق ليميِّز في خدماته واهتماماته ومتابعاته بين اللاجئ الفلسطيني واللاجئ السوري على اعتبار أن للاجئين الفلسطينيين وكالة خاصة معنية بهم هي وكالة "الأونروا"، ويوافق لبنان الرسمي على تكريس التمييز في خطوة ليست بالجديدة؟، تمييز المجتمع الدولي في توفير الحقوق مرفوض ويعارض المبادئ والأخلاق وشرائع السماء والأرض..، ماذا يعني أن يبقى ثلاثة آلاف فلسطيني من فلسطينيي العراق يقيمون في مخيم اليرموك يواجهون المصير المجهول، وهم الذين لا أوراق ثبوتية لديهم، ولا جذور لهم في سوريا ولا يستطيعون الذهاب إلى أي مكان وهم من المفترض أن يكونوا تحت حماية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين؟، ماذا يعني أن تتخلى الدول المانحة عن التزاماتها تجاه وكالة "الأونروا" وبشكل خاص الدول العربية التي تدفع وبشكل سخي لتقديم الخدمات للاجئين السوريين؟، فإذا كانت الدول المانحة سواءً العربية أو الإسلامية أو الغربية تحيل مساعدات اللاجئ الفلسطيني إلى وكالة "الاونروا" ولا تدفع في صندوق الوكالة، فمن أين يحصل اللاجئ الفلسطيني على المساعدات!؟؟ خاصة في الوقت الذي من المفترض فيه أن يتدخل الصندوق المركزي للأمم المتحدة لتغطية العجز المالي، لكن حتى هذا لم يحدث، ليُترك اللاجئ الفلسطيني ليواجه مصيره بين أهله وإخوانه في مخيمات لبنان المكتظة، بين يدي "الأونروا" والمؤسسات الأهلية والفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية التي فاقت قدرتها على الاستيعاب، عدا عن معاناة من وصل إلى الاردن وتركيا ومصر وليبيا وأوروبا وغيرها، ولكن بأعداد قليلة.
إذاً هي الحرب المفتوحة على الوجود الفلسطيني في سوريا، أياً تكن أدواتها فإنما هي تسيء إلى نفسها وإلى صورتها أولاً، وتقدم خدمة للمشروع الصهيوني بلا مقابل، وكأن الفلسطيني لا يكفيه ما يلاقيه من الاحتلال الغاصب من تهويد وقتل وتشريد وتنكيل..؟، التاريخ لن يرحم وسنذهب نحن ويبقى هو، فأي قضية عادلة هذه التي يقاتل من أجلها السوريون اليوم، إذا كان ثمنها الدم الفلسطيني الذي يهدر في المخيمات، أو تشريد لاجئ لمرات ومرات؟.
بعد ليبيا والعراق والأردن وحرب الخليج الثانية ولبنان، وعلى سمع وبصر العالم، يشرد اليوم حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني من سوريا، لذا على جامعة الدول العربية إن كانت بالفعل تريد حماية القضية الفلسطينية أن تتحرك وعلى عجل لاتخاذ موقف يرتقي إلى حجم النكبة الثانية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون اليوم في سوريا، كي لا تتكرر الذكرى الأليمة التي لا تزال شاخصة أمامنا ومنذ عشرينيات القرن الماضي إبان الانتداب البريطاني على فلسطين، وما واكبها من مخططات غربية وعربية نالت من شعب وأرض فلسطين، وعلى الدول الاسلامية أن تقوم بواجبها الديني والأخوي والأخلاقي بالضغط على أطراف الأزمة لتجنيب مخيمات اللاجئين ويلات الصراع وتكريس اتجاه البوصلة الفلسطينية باتجاه فلسطين، وباتجاه فلسطين فقط، وعلى من تبقى من العالم الحر الذي لا يزال يتضامن مع شعبنا الفلسطيني مشكوراً، وكما تحرك مُتأثرا ومُؤثراً ولا يزال مع حصار غزة وجَعَلها في صدارة الأحداث العالمية، أن يفعِّل ماكينته الإعلامية للضغط وتحريك أصحاب القرار من البرلمانيين والأكاديميين والإعلاميين والنشطاء والسياسيين... لوقف آلة القتل بحق اللاجئين الفلسطينيين التي لا تتوقف، وعلى من تبقى من المجتمع الدولي الذي لا يزال يرى في قضية فلسطين قضية عادلة ألا يساهم في قتل شعب ذنبه الوحيد أنه ولد فلسطيني، فلا تزال الهوة سحيقة بين الشعب الفلسطيني والأمم المتحدة التي أنشأت دولة الاحتلال في العام 48 وتخلت حينها عن حوالي مليون فلسطيني وأودعت مصيرهم بين يدي وكالة أممية لتقديم ما يلزم من احتياجات إنسانية.
وكالة "الأونروا" مطالبة الآن وقبل فوات الأوان، أن تفتح حواراً سريعاً وجاداً مع الجمعية العامة للأمم المتحدة للتوصل إلى آليات فاعلة توفر الحماية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، ولاستدراك عدم انتقال العدوى إلى لبنان، فالوضع جد خطير وعلى مفترق طريق وينذر بالأسوأ، والانفجار الكبير إذا وقع لن يستثني أحد..
المصدر: مجلة البراق