فلسطينيو سورية .. واقعٌ مر ومستقبلٌ طي
الكتمان
بقلم: إبراهيم العلي
لا تزال سورية ساحة صراع، ولا يزال اللاجئ
الفلسطيني فيها يعاني ويلات هذا الأزمة الإنسانية التي قلبت الحياة هناك رأساً على
عقب، وأحدثت تبدلات كارثية على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والثقافية،
وجعلت المجتمع الفلسطيني السوري في حالة من اللااستقرار والضياع.
فمن نزوح إلى أخر داخل سورية، إلى لجوء
في دول الطوق وصولا إلى أوروبا، فأضحى اللاجئ الفلسطيني كمن يدور في حلقة مفرغة مكوناتها
الفقر والتشرد والموت بأشكال مختلفة.
مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية وثقت
أعداد الضحايا من اللاجئين الفلسطينيين بحوالي 3570 لاجئاً لقوا مصرعهم بأشكال مختلفة
ومن أطراف متعددة منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار – مارس 2011 ولغاية آب - أغسطس
– 2017.
أما على الصعيد السكاني أشارت إحصائيات
الأونروا إلى وجود ما يقارب نحو 540 ألف لاجئ فلسطيني مسجل حسب إحصائيات 2012 قبيل
دخول الأزمة السورية إلى المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وتقدر الأونروا أعداد النازحين
عن منازلهم داخل سورية بقرابة270,000 لاجئ فلسطيني أصبحوا مهجرين داخلياً، يسكن نحو8,100
لاجئ فلسطيني منهم في 18مركزاً للإيواء، فُتحت في المنشآت التابعة للأونروا في سورية،
بالإضافة إلى أكثر من 3,500 لاجئ فلسطيني يجري إيواؤهم في 13 مرفقاً غير تابع للأونروا
في دمشق وحلب واللاذقية.
وتشير التصريحات الرسمية للأونروا إلى أن
عدد اللاجئين المقيمين في سورية الذين يحتاجون إلى مساعدة ملحّة ارتفع إلى 440,000شخص.
كذلك بينت الأونروا أن عشرات الآلاف من
اللاجئين الفلسطينيين اضطروا إلى اللجوء خارج سورية نتيجة تدهور الوضع الأمني والمعيشي
المتواصل منذ آذار 2011، حيث وصل إلى لبنان نحو 31 ألف لاجئ فلسطيني، فيما وصل إلى
الأردن حوالي 17000 لاجئ، وإلى مصر 6000 لاجئ وإلى تركيا حوالي7000 لاجئ، فيما قُدّر
عدد من وصل إلى أوروبا بقرابة الـ 85 ألفا.
كما بينت إحصائيات الأونروا نهاية كانون
الثاني/ يناير 2012، أي بعيد نشوب الأزمة السورية، وجود نحو 119 ألف لاجئ فلسطيني في
تجمعات مدينة دمشق وريفها، و18,858 لاجئاً في مدينة درعا وبلداتها، بالإضافة إلى وجود
قرابة 22 ألف لاجئ في مدن الوسط والساحل والشمال السوري، يسكنون خارج المخيمات الفلسطينية.
تطرح هذه الأرقام تساؤلات عميقة عن مصير
هؤلاء اللاجئين وتوزعهم الجديد والأوضاع الإنسانية والإغاثية لهم، خصوصاً في ظل ما
أعلنته الأونروا " أن حوالي 43 ألف لاجئ فلسطيني يقبعون في مناطق محاصرة لا يمكن
الوصول اليهم " بسبب الاشتباكات والعمليات العسكرية كبلدات دوما والمليحة وجوبر
في الغوطة الشرقية.
كما تعاني الأسر الفلسطينية في سورية من الفقر الشديد
الذي وصلت إليها البلاد نتيجة انهيار الاقتصاد السوري الناجم عن الأزمة وتراجع الليرة
أمام الدولار وهبوط القيمة الشرائية، وحالة النزوح والتهجير للاجئين الفلسطينيين من
مخيماتهم إلى الضواحي الآمنة نسبياً داخل سورية، وما ترافق معها من ارتفاع أسعار إيجارات
المنازل الناتج عن زيادة الطلب على المنازل والعرض المحدود، والجشع والتحكم بالأسعار
دون رقيب أو حسيب، مما اضطر العائلات إلى السكن الجماعي بغية تقاسم الإيجار بين الآباء
والأبناء والإخوة.
لقد أدت الأزمة السورية إلى تدمير البنية
الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في سورية، وطال الضرر بالدرجة الأولى العمال
لدى القطاع الخاص الذي أغلق أبوابه أمام العاملين وتوقفت العديد من المشاريع الصغيرة
عن العمل لضعف الطلب على السلع وقلة الموارد لدى السكان، مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة.
ووفق ما ذكر من حقائق أنفا أصبحت النسبة
الكبرى من اللاجئين الفلسطينيين داخل سورية تعتمد بالدرجة الأولى على الإعانات التي
تقدمها الأونروا والمؤسسات الإغاثية.
أما من ناحية حركة اللجوء الجديدة التي
يخضع لها اللاجئون الفلسطينيون في سورية، فلا يزال المنع والصدّ سيد الموقف حيال دخولهم
إلى معظم الدول العربية والإسلامية، فليس للاجئ الفلسطيني السوري الدخول إلى لبنان
أو الأردن أو مصر أو تركيا وغيرها من البلدان إلا في حدود ضيقة جداً.
ويعاني فلسطينيو سورية في دول اللجوء الجديد
من مشكلات في الإقامة والعمل والتنقل، ما أسهم إلى حدٍّ كبير بارتفاع منسوب الهجرة
غير النظامية إلى أوروبا، رغم المخاطر العالية المترتبة على ذلك من الغرق في البحر
والموت.
امام المعطيات السابقة فإن اللاجئين الفلسطينيين
في سورية سواء من هم في الداخل السوري أو من لجأ مجددا إلى دول أخرى يطرحون العديد
من الاسئلة المتعلقة بالمرجعية الوطنية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها
الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وسبب القصور في أدائها الواضح عن متابعة أوضاع فلسطينيي
سورية المتنوعة من قانونية وسياسية وإنسانية.
فاللاجئون الفلسطينيون في سورية وكذلك في الشتات
وبما اشتملت عليه مجتمعاتهم من نخب وقامات وطنية كانوا وما زالوا الرافد الرئيس للثورة
الفلسطينية المعاصرة، وكذلك لديهم القدرة والطاقات المتجددة لمتابعة مسيرة التحرير
والعودة رغم كل المآسي التي يتعرضون لها، ويتطلعون إلى لعب الدور الواجب عليهم ضمن
الأطر السياسية الفلسطينية الجامعة التي تضمن تمثيل كل ابناء الوطن الواحد على أساس
التمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية.