القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو لبنان أمام مرحلة جديدة

فلسطينيو لبنان أمام مرحلة جديدة

علي بدوان

جاءت زيارة الرئيس محمود عباس إلى بيروت، وافتتاحه المقر الرسمي لسفارة دولة فلسطين بعد الاعتراف اللبناني بالدولة الفلسطينية خطوة هامة على صعيد تمتين العلاقات الوطنية والقومية التي تربط الشعبين الشقيقين الفلسطيني واللبناني. وقد انتهت تلك الزيارة الرسمية بنتائج طيبة على الصعيد السياسي، وعلى صعيد دور لبنان القادم في مجلس الأمن انطلاقاً من ترؤسه للدورة المقررة للمجلس خلال الفترة القادمة.

إلا ان تلك الزيارة ومع كل الايجابيات التي انتهت إليها وتمخضت عنها، لم تتوقف أمام العديد من المسائل والقضايا التي تهم مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين مازالوا على حالهم من حيث المعاناة والفاقة والعوز، جراء القوانين والتشريعات اللبنانية التي طالتهم، وكرست الحرمان بحقهم بشكل أو بآخر، وان تلحفت تلك التشريعات تحت عناوين زائفة ثبت بطلانها كالحديث عن منع التوطين في تبرير فظ للسياسات المتبعة بحق اللاجئين الفلسطينيين هناك.

الحرمان وقانون الملكية العقاري

وانطلاقاً من ذلك، لابد من التطرق لحدث سلبي وقع مؤخراً وهو يخص بالطبع فلسطينيي لبنان. فقد فاجأت الأوساط اللبنانية الرأي العام الفلسطيني وعموم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بإعلانها عن نيتها اتخاذ اجراءت جديدة تمس عموم الفلسطينيين في لبنان، وهذه الإجراءات تتعلق بمسألة منع تدفق مواد الاعمار والبناء إلى المخيمات والتجمعات الفلسطينية، إضافة للقفز عن تعديل القانون المتعلق بتملك اللاجئ الفلسطيني لشقة سكنية فوق الأرض اللبنانية، واستمرار العمل به كما هو دون أي تعديل بالرغم من الوعود التي طالما أطلقتها المراجع الرسمية اللبنانية خلال الفترات الماضية.

ففي الوقت الذي كانت فيه الجهود والأنظار متجهة نحو تحقيق المزيد من الانفراج في أحوال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، اتجهت الأمور إلى الخلف على هذا الصعيد، وتم تجاهل ضرورة وأهمية تعديل قانون الملكية العقارية (296/2001) الذي يمنع بموجبه اللاجئ الفلسطيني في لبنان من تملك شقة سكنية، كما تم تجاهل مسألة إفساح السكن خارج المخيم للتخفيف من الضغط السكاني، كذلك في التشديد على منع توسيع مساحة المخيمات والتجمعات الفلسطينية المتعارف عليها من قبل الدولة اللبنانية ووكالة الاونروا، والتي بقيت على حالها رغم مرور أكثر من (63) سنة على النكبة.

وتشير المعلومات الفلسطينية المتوافرة في لبنان، إلى أن رئاسة الوزارة اللبنانية الجديدة التي يقودها الطرابلسي نجيب ميقاتي، تعمل الآن باتجاه الذهاب نحو اتخاذ موقف سلبي سيكون من شأنه أن يحد من إدخال مواد البناء والاعمار للمخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان. وقد ذكرت المصادر إياها أن التوجه في مجلس الوزراء اللبناني ذاهب إلى اتخاذ قرار يقضي بالتالي وفق ما بدا واضحاً: أولاً منع الإعمار في المخيمات دون إذن مسبق. ثانياً الطلب من وكالة الأونروا عدم إدخال أي مواد بناء دون إذن مسبق ومفصل. ثالثاً إغلاق كافة مداخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية التي كانت مخصصة للراجلين، وحصر الدخول إلى المخيم بمداخل السيارات.

وعليه، فقد اتفقت مختلف الفصائل الفلسطينية، بما فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وقوى التحالف الفلسطينية، على رفع مذكرة إلى الحكومة اللبنانية من اجل تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والبدء بحوار رسمي على قاعدة الحقوق والواجبات، معتبرة أن المعاناة التي تعيشها المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان أكبر من أن توصف ويجب أن تتوقف الآن قبل الغد.

لقد كان التعديل السابق الذي أقره مجلس الوزراء اللبناني قبل أكثر من عام مضى، والذي نص على تعديل القيود المتعلقة بعمل الفلسطينيين في لبنان، خطوة بالاتجاه الصحيح، وخطوة إلى الأمام ولكنها بقيت خطوة محدودة وغير كافية ولم تلامس حجم معاناة الشعب الفلسطيني في لبنان، فيما قانون منع اللاجئ الفلسطيني من التملك (شقة سكنية) مجحف ويتعارض من ابسط حقوق الإنسان، في الوقت الذي تسمح فيه القوانين اللبنانية لكل أمم الأرض بالتملك والشراء فوق الأرض اللبنانية.

ماذا ينتظر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان

إن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ينتظرون من الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي اهتماماً خاصاً بأوضاعهم المعقدة، حيث ما زالت الغالبية منهم تئن تحت أوجاع التشريعات اللبنانية التي صدرت بشأن أوضاعهم تباعاً منذ العام 1948، والتي قيدت حركة وحرية وعمل المواطن الفلسطيني المقيم في لبنان منذ عام النكبة، وأسست لبقاء واستمرار حالة الحرمان التي ما زالت تعاني منها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

فما زال الفلسطينيون في لبنان ممنوعين من العمل في حوالي ثلاث وسبعين مهنة، ومحرومين من حمل بطاقة العمل وان وقع حل جزئي لهذه المشكلة، وكل هذا التلويح يتم على خلفية فزاعة وهمية أسمها مخاطر التوطين وتحت شعار محاربة التوطين وهو الشعار الذي ولد نتائج عكسية سلبية مباشرة دفعت بالآلاف من فلسطينيي لبنان للهجرة نحو أصقاع المعمورة الأربعة... في وقت يحظى به عشرات الآلاف من أفراد العمالة الوافدة من سري لانكا وبنغلادش وعدد من الدول الأفريقية ودول الكتلة الشرقية سابقاً بحقوق العمل والإقامة الكاملة.

وترافقت مع عملية تطفيش وتهجير الفلسطينيين من لبنان، عمليات تشطيب في قيود وسجلات من يغادر الأراضي اللبنانية من اللاجئين الفلسطينيين نحو بلدان المهاجر البعيدة في كندا وأستراليا وألمانيا ونيوزلندا والدول الاسكندنافية وغيرها، بينما يفتقد أكثر من (25) ألف فلسطيني من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة المقيمين في لبنان (نتيجة ظروف معينة) لأية أوراق ثبوتية أوسجلات نفوس عائلية.

وعلى هذا الأساس لم يعد باستطاعة أحد أن يتنبأ بأعداد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، فقد قدم إلى لبنان عام النكبة 1948 حوالي (120) ألف لاجئ فلسطيني من مناطق الجليل وعكا والشمال الفلسطيني، ويفترض أن تكون أعدادهم قد قاربت الـ (600) ألف نسمة الآن عند حساب الزيادة الطبيعية.

لكن كل المعطيات تقول إن أعداد اللاجئين الفلسطينيين المسجلة في القيود اللبنانية الرسمية لا تصل في أفضل الأحوال إلى (220) ألف نسمة بعد أن غادرت أعداد كبيرة منهم الأرض اللبنانية نحو أصقاع العالم تحت وطأة المعاناة والحرمان من أبسط الحقوق، خصوصاً حق العمل والتنقل والأمن، هذا بعد إسقاط أعداد منهم تتراوح بين (50 إلى 70) ألف نسمة ممن شملهم التجنيس بين أعوام (1948 ـ 1958) والتي تمت لأسباب معلومة (حيث غالبية من تم تجنيسهم هم من المسيحيين الفلسطينيين) من قبل الرئيس الأسبق (كميل شمعون) ورئيس حزب الكتائب الأسبق (بيّير جميل) وغيرهم من عتاة اليمين اللبناني الذين نظروا إلى الأمور من زاويتها الضيقة المحصورة باللغة الطائفية المقيتة، وبتركيبة المحاصصة في البيئة اللبنانية الداخلية. فالوقائع تشير إلى أن (بيير الجميل) على سبيل المثال كان قد أحضر الباصات ووسائل النقل عام 1949 إلى مناطق مختلفة من جنوب لبنان وقام بنقل أعداد كبيرة من المسيحيين الفلسطينيين إلى المناطق الشرقية من بيروت وعمل على تجنيسهم مشترطاً عليهم مقابل التجنيس تبني المذهب الماروني، ليصبح كل هؤلاء المسيحيين الفلسطينيين: مسيحيين موارنة فقط. وعلى رغم التخفيف البسيط على القيود المفروضة على المخيمات الفلسطينية في لبنان بشكل عام منذ سنوات عدة، إلا أنه ما زال عملياً من الممنوع إدخال أية مواد بناء لأغراض الترميم وإصلاح ما هدمته جولات الحروب الدموية السابقة التي استهدفت الفلسطينيين، وتحولت عملية إدخال المواد الأولية إلى تجارة رائجة ورابحة لدى بعض أصحاب السطوة من القوات الرسمية اللبنانية وأجهزة الأمن الموجودة على مداخل المخيمات خصوصاً مخيمات الجنوب في مدينتي صور وصيدا، ومنها مخيم عين الحلوة الذي يشهد من فترة إلى فترة انتكاسات أمنية تقف وراءها أصابع مختلفة فلسطينية ولكنها غير فلسطينية على الغالب.

إن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ينظرون بجدية وتفاؤل بعد الاعتراف اللبناني الرسمي بدولة فلسطين، وبتحويل مقر المنظمة إلى سفارة لهم، آملين من القيادة الفلسطينية ومن المرجعيات الفلسطينية المعنية في لبنان بمتابعة كافة أمورهم المعلقة مع الجانب الرسمي اللبناني من اجل إيجاد الحلول المناسبة لها خلال الفترة القريبة القادمة.

كما ينظرون بعين التفاؤل إلى التحسن العام في مناخات الأوضاع اللبنانية الداخلية بعد تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، مستبشرين بأنها ستنعكس عليهم بشكل ايجابي من جهة إعادة النظر بالتشريعات المجحفة التي صدرت تباعاً بشأن حقوقهم المدنية، في وقت بات الجميع يدرك أن الفلسطينيين في لبنان يرفضون مشاريع التوطين التي تحاك ضدهم. فهم في الوقت الحالي أشد وعياً وأكثر تصميماً على التمسك بحقهم في العودة إلى فلسطين طال الزمن أم قصر.

وخلاصة القول، إن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، لم تعد تحتمل الانتظار، فكفى عقودا من الحرمان والمعاناة، وكفى ذلاً من المعاملة غير اللائقة بالبشر التي تمارس بحقهم، وقد آن الأوان لتقديم الحد الأدنى من الإنصاف لهم، ومساعدتهم على العيش بكرامة، إلى حين عودتهم إلى وطنهم فلسطين.

إن لبنان الحضاري، لبنان التاريخ، معني وعلى كل مستوياته بالالتفات إلى معاناة اللاجئين الفلسطينيين. ومعني بتقديم وتوفير كل سبل المقومات الكريمة لهم التي تمنحهم العيش المؤقت إلى حين عودتهم.

أخيراً، في مقال له نشر يوم الأربعاء (20 أغسطس 2011) على صفحات جريدة الحياة اللندنية بعنوان (الفلسطيني بيننا)، قال الكاتب اللبناني حازم الصاغية الجملة التالية التي تلخص حال فلسطينيي لبنان:

المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان نُصب دائم للبؤس والتهميش والقمع المتعدّد المصادر. والمدهش أنّ هذا السلوك الرهيب حيال الفلسطينيّين بلغ أوج ازدهاره مع (انتصار العروبة) في لبنان. اللبنانيّون، بدورهم، عقدوا مصالحة كاذبة في ما بينهم، مع توقيع اتّفاق الطائف. إلاّ أنّ عنصر الصدق الوحيد في هذه المصالحة كان التواطؤ على الجلوس فوق الفلسطينيّين وحجبهم تماماً عن المشهد المرئيّ. كيف لا وهم سبب مشاكلنا كلّها!؟. مضيفاً القول بأن التعاطي مع الفلسطينيّ هو أحد المحدّدات الأخلاقيّة للعرب الذين يقيم بينهم فلسطينيّون، تماماً كما أنّ وقف الابتزاز بالقضيّة، ابتزاز الفلسطينيّين وابتزاز سواهم، شرط لإيقاف هذه المسألة على قدميها.

المصدر: موقع مفتاح