فلسطينيو لبنان في قلب خطاب الدكتور ماهر صلاح
أحمد الحج علي
إذا كان الاحتفال بذكرى انطلاقة حماس الثلاثين في
لبنان هو الحدث بسبب الحشد الذي جمعه، والذي ضاق بهم ملعب كرة قدم، فإنه في الاحتفال
بالذكرى الحادية والثلاثين في لبنان كان الحدث المواقف التي أطلقها رئيس حركة حماس
في خارج فلسطين الدكتور ماهر صلاح. وعلى تنوّعها، فإن النقاط التي تناولت فلسطيني لبنان
كانت شاملة كل القضايا التي تهمّهم.
فبعد أن تحدّث عن المواجهة الساخنة بين فلسطينيي
الخارج والمشروع الصهيوني، وأنهم سيكونون رأس الحربة في معركة التحرير، قال إن الشعب
الفلسطيني في لبنان "يتطلع لأن يكون جزءاً أصيلاً في المعركة القادمة مع العدو
الصهيوني، ويتحرق شوقاً لمواجهتكم، في إطار التكامل الاستراتيجي والتفاهم العميق بين
المقاومة في لبنان وفلسطين".
ما يزيد أهمية كلام صلاح أنه جاء بعد جملة من التطورات:
1- حديث صهيوني متواصل عن تطور البنية العسكرية لحماس في الخارج عموماً، وفي لبنان
خصوصاً. 2- محاولة اغتيال الموساد لمحمد حمدان في مدينة صيدا، الذي تزامن مع تصريحات
إسرائيلية عن إسناد تتلقاه حماس في غزة والضفة من فلسطينيي لبنان.
أما مجيئه عن التكامل الاستراتيجي والتفاهم مع المقاومة
في لبنان، فهي إشارة مهمة إلى أن عمل المقاومة الفلسطينية في لبنان لن يتعارض أو يتصادم
مع السياسة الرسمية اللبنانية المعلنة، وهي دعم المقاومة، أو ما يُدعى في لبنان بثلاثية
"الشعب والجيش والمقاومة". ومن جهة ثانية فإن هذه التفاهمات تقلق العدو لأنه
يعي خطورة تبادل الخبرات، ومن جهة أخرى تريح شريحة لبنان واسعة، وتسمح ربما باختراق
على مستويات أخرى تفيد الفلسطينيين، في الملفات الحقوقية والاجتماعية والإنسانية.
النقطة الثانية هي ما جاء في الخطاب حول إسقاط حماس
للفتنة سواء في المخيمات أو في لبنان، وهو ما شهد به الكثير من الرسميين اللبنانيين.
هذا الإسقاط، كان وفق نهج اتبعته حماس، حين دفعت باتجاه مبادرة فلسطينية في ذروة الأزمة
السورية، والتفجيرات في لبنان. فحيدت الفلسطينيين عن الصراع الداخلي، وحمت مخيماتهم
وتجمعاتهم. وتنازلت حماس عن التنافس على مناصب رئيسية خدمة لهذا التوجه.
ومع تمسك الفلسطينيين بالمقاومة، وعدم الانجرار
إلى الفتنة، إلاّ أن ذلك لم يمنع من مطالبة "الدول المضيفةَ لشعبِنا في اللجوءِ،
خاصة في مخيمات لبنان، بتحسينِ ظروفِ معيشتِه إلى حين عودتِه إلى فلسطين، وندعو إلى
إعطائه حقوقه المدنية والإنسانية في العيش الكريم، والعمل، والتعليم والصحة، والحركة".
وهذه المطالب لا تتعارض مع حقه بالعودة، بل هي تسهم في صمود الشعب الفلسطيني، وتسقط
أية محاولات لتوطينه، أو تهجيره.
إن الدعوة التي أطلقها رئيس حركة حماس في الخارج
الدكتور ماهر صلاح من أجل حوار لبناني فلسطيني لوضع صيغة تحفظ للدولة سيادتها وأمنها،
وتعطي الفلسطيني حقوقه وتحفظ كرامته، يمكنها أن تشكل اللبنة الأساس من أجل علاقة لبنانية
فلسطينية صحيّة، تسقط صروح الأوهام، وتحفظ حق كل طرف. وهي بحاجة إلى من يتلقّفها في
الجانب اللبناني ليبني عليها. إن هذا الحوار اللبناني الفلسطيني الجدّي لم يُطلق منذ
عام 1991، وحسناً فعل الدكتور ماهر صلاح بالتذكير به، من أجل علاقات ثابتة لا تتعرض
للاهتزاز عند كل منعطف.
كان لافتاً بالخطاب حين طالب صلاح الأونروا بتحمُّلِ
مسؤولياتِها الكاملةَ، أن يأتي على "مشهد الطفلِ الشهيدِ المظلوم محمد مجدي وهبة
ابنِ الثلاث سنوات، ابنِ مخيمِ نهر البارد المنكوبِ، الذي لا يزال ينتظرُ استكمالَ
الإعمار". وهي لفتة لاقت استحساناً فلسطينياً عاماً، بأن قيادة حماس تحفظ أسماء
كل الضحايا الفلسطينيين في لبنان. وكما يتردد منذ فترة، فإنه لن يقتصر الأمر على حفظ
الأسماء، بل هناك الكثير من الخطوات ستقوم به الحركة على الصعيد القانوني والإنساني،
ووضع حقوق الفلسطينيين في لبنان في مقدمة الاهتمامات والقضايا التي تحتاج معالجة سريعة،
واستثمار العلاقات الواسعة من أجل ذلك.