فلسطينيون حَمَوا
حلب: نزيف ونزوح
بقلم: علاء حلبي
على بعد 13 كيلومتراً
شمال حلب، يقبع ما تبقى من مخيم حندرات للاجئين الفلسطينيين. كتلة كبيرة من الدمار
خلَّفتها حرب امتدت لأكثر من ثلاث سنوات شكَّل خلالها المخيم خط تماس بين قوات الجيش
السوري وفصائل المعارضة المسلحة، لِتُدمِّر المعارك ما سلِم من هجوم المسلحين الأول.
يختصر الدمار الكبير
الذي حلّ بالمخيم حكاية فلسطينيي حلب، الجرح النازف الذي يلاحق أبناء شعب اختارهم الموت
في أرضهم فهربوا بحثاً عن حياة.
قبل اندلاع الحرب
في سوريا كان يعيش في مدينة حلب نحو 35 ألف فلسطيني، موزّعين بين مخيمَي النيرب شرق
المدينة وحندرات شمالاً، وبعض أحياء المدينة، إلا أنه ومع استمرار الحرب تناقص عدد
الفلسطينيين بين مَن قُتِل أو نزح إلى منطقة أخرى في سوريا، أو حتى هاجرها إلى أوروبا،
وشكلت ألمانيا الدولة الأكثر استقبالاً لفلسطينيي سوريا، وفق منظمات إغاثية.
شكَّل الفلسطينيون
في مدينة حلب رقماً صعباً في الحرب، فعلى أسوار مخيم النيرب انكسرت هجمات المسلحين
الأولى على المدينة، حيث حاصر مسلحو «لواء التوحيد» في العام 2012 المخيم مدة ستة أشهر
تقريباً من دون أن ينجحوا في اختراقه، الأمر الذي أوقف تمدّد المسلحين وشكَّل نقطة
تحول في مجريات المعارك التي كانت تسير باتجاه التهام المسلحين حلب بالكامل.
حافظ أبناء مخيم
النيرب على مخيمهم، كما قاموا بحماية مطارَي النيرب العسكري وحلب الدولي، بالإضافة
إلى كتيبة للدفاع الجوي، وهي الوحيدة في محيط حلب التي ظلت سالمة ولم يطلها الدمار
والسرقة.
مع استمرار الحرب
في مدينة حلب، دخل الفلسطينيون مجريات المعارك، فشكَّل أبناء مخيَّمَي النيرب وحندرات
فصيلاً مؤازراً للجيش السوري حمل اسم «لواء القدس»، انضمّ إليه نحو خمسة آلاف مقاتل،
توزعت مهامه على جبهات عديدة في حلب. تمكّن مقاتلو «القدس» من فك الحصار عن مخيم النيرب،
وفتح طريق جديد نحو مدينة حلب، كما ساهموا في حماية خاصرة المدينة الشمالية الغربية،
وجبهة الشيخ سعيد جنوب المدينة.
مخيم حندرات شمال
حلب شكَّل عقدة بالنسبة للمسلحين، حاصره مسلحو «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» من ثلاث
جهات أشهراً عدة، وتعرّض للقصف العنيف، كما انفجرت على أطرافه مفخخات عدة قبل أن ينجح
المسلحون في السيطرة عليه، ما دفع أبناء المخيم البالغ عددهم نحو تسعة آلاف نسمة إلى
النزوح نحو مخيم النيرب، وإلى مدينة حلب، حيث تم تخصيص مدرسة الصناعة في حي الجميلية،
والوحدة السكنية التاسعة في المدينة الجامعية لأبناء المخيم.
منذ سقوط مخيم
حندرات، شنّ مقاتلو «لواء القدس» عشرات الهجمات لاستعادته، نجحوا في السيطرة عليه بشكل
مؤقت مرات عديدة، إلا أنهم تراجعوا عنه تحت ضغط المسلحين قبل أن ينجحوا الشهر الماضي
في استعادته بشكل كامل، والسيطرة على محيطه ضمن عمليات مشتركة مع الجيش السوري وفصائل
أخرى.
محمد واصف، أحد
سكان مخيم حندرات روى لـ «السفير» بعضاً من حكايات أبناء المخيم خلال فترة سيطرة المسلحين،
فيقول: «قاموا بطرد مَن رفض الخروج من منزله تحت تهديد السلاح، كما قاموا باعتقال عدد
من أبناء المخيم».
يتذكّر «أبو واصف»
خلال حديثه قيام المسلحين قبل السيطرة على المخيم باستهدافه بعشرات القذائف، قائلاً:
«كان الموت يُحيط بنا من كل اتجاه، اضطررنا إلى الخروج من منازلنا»، ويتابع: «بعض الأهالي
خصوصاً كبار السن رفضوا الخروج من المخيم فقام المسلحون بطردهم بالقوة، قبل أن يقوموا
بسرقته بشكل كامل، حتى النوافذ والأبواب سرقت».
قائد «لواء القدس»
المهندس محمد سعيد يرى خلال حديثه إلى «السفير» أن الفلسطينيين ساهموا بشكل كبير في
تحقيق التوازن في حلب، مشيراً إلى الدور الكبير الذي لعبوه منذ اندلاع الحرب دفاعاً
عن المدينة، وصولاً إلى استعادة مخيم حندرات.
يرى المهندس الفلسطيني
أن أبرز ما ساهم فيه «لواء القدس»، بالإضافة إلى الجانب العسكري، هو تصحيح الفكرة التي
سادت سوريا مع اندلاع الحرب، والتي وسمت جميع الفلسطينيين بصفة دعم الإرهاب، وذلك بسبب
موقف حركة «حماس» من الحرب الدائرة في سوريا، برغم أن القاعدة الشعبية لـ «حماس» في
سوريا ليست كبيرة (تشير التقديرات الفلسطينية إلى أن عدد أعضاء حركة حماس في مخيم حلب
لم يكن يتجاوز المئتي شخص فقط).
رئيس جمعية «نور»
للإغاثة والتنمية محمد جلبوط يرى خلال حديثه لـ«السفير»، أنه «كان المطلوب أميركيّاً
وإسرائيليّاً وسعوديّاً تهجير اللاجئين وشطب المخيمات، وهذا أخطر ما في الأمر».
وأوضح أن «الفلسطيني
في حلب كغيره في كل المخيمات تعرّض للاستهداف منذ بداية الأزمة في سوريا، فقد تعرضت
مخيمات درعا واليرموك للتهجير والرمل الجنوبي للنزوح أياماً عدة، إضافة إلى الحصار
كما حصل في النيرب، حمص وحماه»، لافتاً إلى أن «ما جرى من محاولات استجرار لدائرة العنف
والأعمال القتالية لم تكن بمحض الصدفة أو الموقع الجغرافي للمخيمات التي أرادت الحياد
وطلبت منها الدولة السورية ذلك صراحة».
اليوم، وعلى الرغم
من استعادة مخيم حندرات، إلا أن سكانه لا يستطيعون العودة إليه، فقد تجاوزت نسبة الدمار
بحسب جلبوط الـ 95 في المئة، من دون وجود خطة أو برنامج لعودة المخيم إلى سكانه أو
إعادة إعمار المخيم المهدّم بالكامل.
ويعيش أبناء المخيم
الذي تأسس العام 1962 والذي دمرته الحرب، في ظروف صعبة جداً، وسط عجز المؤسسات عن القيام
بواجبها الخدمي والإنساني.
في هذا السياق،
أشار رئيس جمعية «نور» إلى وجود «عجز في كل المؤسسات الفلسطينية عن تلبية احتياجات
الفلسطيني في سوريا، في الوقت الذي تسكب كل الإمكانيات من قبل تلك المؤسسات في أماكن
محاصصاتها الفصائلية، أو حتى حساباتها»، مضيفاً: «مثلاً بمقارنة قلة الحيلة لمنظمة
التحرير والمبالغ التي ترسلها السلطة الى سوريا مع تلك التي تذهب إلى لبنان، نحسب أن
المخيمات الفلسطينية في سوريا مركب بلا شراع».
وعلى الرغم من
أن الدمار طال حلب بشكل عام، ودفع آلاف الحلبيين إلى النزوح أو الهجرة، إلا أن خصوصيّة
الفلسطينيين تفرض نفسها، شعب هرب من الموت، فلاحقه الموت إلى مأواه الجديد في حلب،
وحصد حتى الآن أكثر من 700 شهيد، وآلاف الجرحى والمصابين، وبرغم ذلك يصرّ الفلسطينيون
على الحياة أيّاً كانت ضريبتها.
المصدر: السفير