فلسطينيي سوريا: تهجير ومعاناة
"لو ماتت كان أفضل من انو ما أعرف عنها شي" - قصة
عائلة نازحة من مخيم اليرموك (سوريا)
هبة مركيز – مخيم برج البراجنة
تحت شبكة من الأسلاك الكهربائية التي لامست رؤوسنا، سرنا في أزقة المخيّم سائلين
عن عائلات فلسطينية نازحة من سوريا... هناك خلف أسلاك أكثر انخفاضا حيث يضطّر
المار للانحناء للوصول إلى مدخل المنزل، تسكن عائلة من 8 أفراد في غرفة واحدة. عند
دخولنا استقبلنا وجه مهموم ومن ثقل همّه لم يردّ السلام، يجلس منزويا صامتا...
ملامح اليأس والحزن تعلو قسمات وجهه، وبعد سؤالنا عن حاله أجابت زوجته "متل
ما شايفين لا بياكل ولا بيشرب".
نتساءل! ثمّة صدمة أصابت هذا الرجل حتى ساء حاله إلى هذا
الحدّ!، في حين تروي الزوجة قصّة نزوحهم من مخيّم اليرموك في سوريا، وصور المأساة
ما زالت في ذاكرتها: "القتلى والجرحى في الطرقات ومن شدّة القصف والطيران لا
نستطيع إنقاذ الشخص المصاب، ولا أحد يلتفت للجثث... مأساة بكل معنى الكلمة".
تتفقّد "بديعة" بنظراتها وضع زوجها وتتابع
"ماذا أقول لكم! بعد أن كانت حياتنا كلاجئين فلسطينيين في سوريا هانئة أصبح
الوضع مُعدما، فـحتى نشتري الخبز نقف بالطوابير وننتظر بالساعات، لا يوجد طعام،
الأولاد تبكي من الجوع، لا حياة هناك..."
وحين سألناها عن وضعهم الحالي هنا كنازحين فلسطينيين من سوريا
قالت: "أتينا إلى مخيم برج البراجنة في لبنان ونعيش في هذه الغرفة فليس لدينا
خيار آخر، نحتاج لأشياء كثيرة وزوجي مريض لا يستطيع العمل، نتمنى أن نعود إلى حيث
كنا بعد أن تهدأ الأوضاع".
تقاطعها أختها "ازدهار" النازحة أيضا من مخيم
اليرموك في سوريا مع زوجها وأبنائها "هذه الغرفة لأخينا وهو من سكّان مخيم
"برج البراجنة"، ونحن ندفع الايجار له لأنّ وضعه المادي سيء جدّا
وتتراكم عليه الديون، يعني ماذا نفعل لولا اضطرارنا لما تركنا مخيم اليرموك، فجانب
من منزلي هناك قُصف، كان يوما مروّعا لا أنساه، فنزحنا من اليرموك الى السيدة زينب
ثم الى مخيم البرج في لبنان ونحن أساسا من طولكرم في فلسطين".
تتابع "ازدهار" قائلة: "من تهجير الى آخر هذا
حالنا أتينا إلى لبنان، ووضعنا سيء فكما ترون نحن 8 أشخاص نتقاسم 3 فرش للنوم فقط.
وغالبية المساعدات تأتي للنازحين السوريين، أمّا نحن فلسطينيي سوريا فلا أحد يهتمّ
بنا، فإلى من نذهب؟!".
بيت صغير يكاد يخلو من الأثاث... بين جدرانه قصّة تروي نفسها
في كتاب معاناة شعب تتكرّر كلمة النزوح والتهجير في كل سطر من صفحاته... عيون
حائرة تتأمّل وقلوب راضية تتصبّر، فغيرهم لا يجدون مأوى يلجؤون إليه.
بين ضجة كلّ هذه المفردات تاهت معانِِ أخرى للمأساة وسط صراخ
أطفال يتّخذون من مدخل البيت ملعبا للكرة...
وبانتظار هدف "عباس" أصغرهم سنّا، ما زال السؤال
يراودنا عن صمت الرجل، ما الحدث الذي أقعد رجلا بهذا الشكل؟!
فأخبرتنا بديعة: "أبناء زوجي ما زالوا في سوريا لا أخبار
عنهم وقد خُطفت ابنته وزوجها قبل مجيئنا الى لبنان، فساءت حالته النفسيّة وهو
يردّد طوال اليوم: "لو ماتت كان أفضل من انو ما أعرف عنها شي".
هي كارثة قسمت ظهر الرجل إذاً، فأقل ما يفعله هو الصمت... صمت
يقابله تقصير من جهات كثيرة لم تعط اهتماما لمن نزحوا من تحت سماء رماديّة ملبّدة
بدخان القذائف الى سماء تسرق زرقتها أسلاكا سوداء...
وبين السماءين شبكة معقّدة ينتظر "عباس" ورفاقه أن
يصوّبوا فيها هدف العيش بكرامة وسلام.