نبيل السهلي
الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده الذكرى الثانية
والسبعين للنكبة الكبرى (1948-2020)، تتسارع محاولات إدارة ترامب ودولة الاحتلال الصهيوني
لشطب قضية اللاجئين، التي برزت إثر ارتكاب مجازر مروعة من قبل العصابات الصهيونية بدعم
بريطاني مطلق، وطرد غالبية سكان فلسطين العرب من وطنهم في عام 1948.
قرارات دولية
أصدرت هيئة الأمم المتحدة أكثر من خمسين قراراً
منذ عام 1948، وجميعها يقضي بوجوب عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي
لحقت بهم جراء الطرد القسري وتدمير قراهم، فيما رفضت دولة الاحتلال على الدوام تنفيذ
القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، وفي الوقت ذاته، لم يجبرها المجتمع الدولي على
تنفيذ تلك القرارات في شأن فلسطين. كما أسقطت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالـ «فيتو»
مشاريع قرارات لإدانة سياسات دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
ومن أهم تلك القرارات ذات الصلة بحق اللاجئين الفلسطينيين
في العودة، القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون
أول /ديسمبر من عام 1948، وكذلك القرار 302 الصادر في الثامن من كانون الأول /ديسمبر
عام 1950،إضافة إلى القرار رقم 512 الصادر في السادس والعشرين من كانون الثاني /يناير
1952، فضلاً عن قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة اللاجئين إلى ديارهم
في أقرب وقت ممكن، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
وفي عام 1948، تشكلت هيئة الأمم المتحدة لإغاثة
اللاجئين الفلسطينيين، وتولت أعمال الإغاثة الخاصة في وكالات الأمم المتحدة المتخصصة
والمنظمات غير الحكومية. بعد إمعان المنظمات الصهيونية في قتل الفلسطينيين وتهجيرهم،
تدخل المجتمع الدولي بزعامة الأمم المتحدة. وبدلاً من وضع حد للإرهاب الصهيوني، مع
تزايد أعداد اللاجئين وتمركز معظمهم على حدود الوطن (بلدان الطوق) ومنع السلطات الصهيونية
عودتهم، قامت الأمم المتحدة بتطوير تلك اللجنة وتوسيع مهماتها، حين تبين أن قضية اللاجئين
لن تحل سريعاً، فبدلاً من وضع حد للإرهاب الصهيوني، تحولت القضية من قضية سياسية، أي
شعب يُطرد من أرضه قسراً وبقوة السلاح والمجازر إلى قضية إنسانية، لا تتعدى البحث عن
مأوى وطعام فقط.
وقد أنشئت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين
وتشغيلهم (أونروا) في الشرق الأدنى في عام 1949، وباشرت عملياتها في أيار-مايو
1950. ومع أنها اعتبرت وكالة مؤقتة، تم تجديد ولايتها بانتظام كل ثلاث سنوات، وهي تعبّر
عن مسؤولية المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية اللاجئين وفقا للقرار 194 الذي تم تأكيده
135 مرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ صدوره.
اعتمدت «أونروا» في عملها بين اللاجئين الفلسطينيين
على قاعدة تعريف صاغته للاجئ الفلسطيني، وهو تعريف إجرائي وليس سياسياً، يهدف إلى توفير
معيار ومقياس لتقديم مساعدات الوكالة على النحو التالي:
اللاجئ الفلسطيني هو كل شخص كان مسكنه العادي في
فلسطين لعامين سبقا نزاع العام 1948، والذي كان من نتائجه أن خسر منزله ووسائل عيشه
ولجأ في العام ذاته إلى واحد من البلدان التي تقدم «أونروا» خدماتها فيها. وينسحب هذا
التعريف على أولاده وأحفاده وذرياتهم، على أن يكون مسجلاً في مناطق عملياتها الخمس
وهي: الضفة الغربية، قطاع غزة، سوريا، لبنان والأردن.
تسعى دولة الاحتلال الصهيوني بدعم أمريكي إلى تغييب
«أونروا»، الشاهد الدولي الوحيد على مسؤوليتها السياسية والإنسانية والأخلاقية في بروز
قضية اللاجئين وتداعياتها.
وتشير إحصاءات إلى وجود أكثر من ستة ملايين لاجئ
فلسطيني مسجلين في سجلات الوكالة خلال العام الحالي 2020، إضافة إلى نحو مليون لاجئ
فلسطيني غير مسجلين في سجلات الأونروا لأسباب مختلفة. وثمة 41 في المئة من اللاجئين
المسجلين في سجلات الأونروا يتركزون في المملكة الأردنية الهاشمية؛ و22 في المئة في
قطاع غزة الذي يضم ثمانية مخيمات بائسة؛ في حين تستحوذ الضفة الغربية على 16 في المئة
من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في «أونروا»؛ في مقابل ذلك، تستأثر
سوريا بـ (10،5) في المئة منهم، وكذلك هو الحال في لبنان.
لكن لابد من الإشارة إلى تهجير ثلث اللاجئين الفلسطينيين
في سوريا إلى دول الجوار الجغرافي والدول الغربية منذ عام 2012، الأمر الذي أدى إلى
تغيير في التوزع الجغرافي للاجئين.
تشريعات عنصرية
ومحاولة منها لزعزعة الكيان الفلسطيني، أصدرت دولة
الاحتلال رزمة من التشريعات العنصرية، ووفق تسلسلها الزمني كانت على النحو التالي:
«قانون أملاك الغائبين المتروكة» لعام 1950، والذي نص على وضع أملاك العرب تحت الحراسة.
ويحق للحارس، أو القيّم على هذه الأملاك، بيعها لقاء ثمن تحدده السلطات الرسمية، وكذلك،
«قانون استملاك الأراضي» الذي صدر في عام 1952، وهو يخوّل لسلطة الاحتلال، الاستيلاء
على الأراضي العربية بحجة استخدامها في أغراض التعمير والتنمية والاقتصاد، أو لأسباب
تتعلق بأمن البلاد العام، فضلاً عن «قانون التصرّف»، الذي صدر في عام 1953، ويشترط
على صاحب الملك، أن يتصرف في أملاكه تصرفاً فعلياً بشخصه هو مباشرة.
ويمنح هذا القانون وزير مالية إسرائيل صلاحية إصدار
قرار قاطع بأمر الاستيلاء على الأملاك المعنية وتسجيلها ملكاً للدولة باسم «هيئة التعمير
والتنمية»، إضافة إلى «قانون تقادم العهد» أو «مرور الزمن»، الذي صدر في عام 1957،
والذي ينصّ على أنه لا يحق لمالك الأرض الاحتفاظ بها متى قدّم إثباتات تؤكد تصرفاً
لطيلة 25 عاماً، وبذلك تسقط حقوق المالكين العرب تحت ستار مرور الزمن.
والملاحظ أن القرارات المذكورة كافة، التي صدرت
عن السلطات الصهيونية في ما بعد، عبّرت عن نزعة الفكر الاجتماعي الصهيوني لإضفاء صبغة
شرعية على الاحتلال الذي سيطر على الأرض الفلسطينية بالقوة.
وذهبت القوانين الصهيونية إلى أبعد من ذلك، حين
اعتبرت أصحاب الأملاك من العرب الذين أجبروا على الابتعاد عنها من «الغائبين»، حتى
لو سكنوا في مناطق أخرى داخل الخط الأخضر.
وامتدت صلاحيات تلك القوانين لتطال الوقف الإسلامي،
إذ أصبح القيّم على أملاك الغائبين، مسؤولاً عن تأجير أملاك الوقف الإسلامي واستخدامها،
والتي تبلغ نحو ثلاثين في المئة من مجموع أملاك الغائبين. يُذكر أن إعلان «يوم الأرض»
في الثلاثين من آذار/ مارس 1976 كان رداً على مصادرة أراضي الفلسطينيين في الجليل وغيرها
من المناطق العربية، وكذلك انتفاضة أم الفحم في عام 1998. وتحاول السلطات الصهيونية
من خلال سيطرتها على الأوقاف العربية، بث النعرات الطائفية كما جرى في الناصرة في نيسان-
إبريل 1999. ولم تتوقف دولة الاحتلال عند هذا الحد، بل أصدرت قوانين عدة خلال الفترة
الممتدة بين الأعوام 2000 و2020، لمصادرة مزيد من أراضي الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
واللافت، أن فترات حكم نتنياهو شهدت إحياء قوانين عنصرية وإصدار قوانين أخرى؛ من أهمها
قانون «الغائبين» وقانون «المواطنة والولاء» وقانون «يهودية إسرائيل».
ويبقى القول إنه على رغم عدالة قضية اللاجئين الفلسطينيين،
لكنها بقيت حبيسة المواقف الأمريكية والغربية الرافضة للقرارات الدولية، الداعية بمجملها
إلى حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم ووطنهم الوحيد فلسطين، والتعويض عن الأضرار المادية
والجسدية التي لحقت بهم؛ وماضاع حق وراؤه مطالب.
* كاتب فلسطيني مقيم في هولندا