في المخيم..
عندما اتكأت على حائط.. ساقط
بقلم:
هديل الزعبي
لن تنطق حروفي،
وان نطقت لن تكون عادلة ولن تصيب، انتظر الوقت المناسب للكتابة. لا اعلم ما هي مواصفات
الوقت المناسب. كل اوقاتنا متشابهة. ربما لن اكتب. استغيث بوحي الهي لتتسلل كلمات لطالما
رتبتها كجمل مكتملة متناغمة في عقلي وعجزت عن تحريرها. اريد ان اكتب. ليس لاني اهوى
الكتابة او اتقنها، بل لانها الوسيلة الوحيدة التي قد يلجأ اليها من يشبهني ممن لم
يكتسب هواية منذ الصغر. ممن لم يتقن الرسم واي من الفنون، ممن لم يعلمه اهله في الصغر
على الة موسيقية ما، ممن يفرطون بالشعور بكل ما يحيطهم ويعجزون عن الكتمان.
اريد ان احرر
شعوري، فانا لا اخجل منه. اريد ان اجسد اطيافا تحوم حول عقلي واراها تطوف بوضوح حول
اخرين. لن اكتب. ساصرخ؟ كلا. ستسمعني جارتي "زهية". اسقط اناملي على
"كيبورد" اكرهه، فوالدي علمني ان اكتب بالقلم واقرأ الجريدة الورقية، وانا
اخالف. لاني اخالف. في محاولة لوصف ما يخالجني من شعور غريب استثنائي.
اريد ان ابكي.
كلا. امي ستحزن. فهي تعلم قبل ان ابكي، انني سافعلها. وكانها دمعتي الباردة قبل السقوط،
الدافئة بعده.. ابكي في غيابها. تتصل فلا اجيب، تعيد الاتصال، اجيب ولا اتكلم، تعلم
انني ابكي، تبعث لي نكتة او حكمة او شتيمة والاخيرة هي الاحب الى قلبي. اعاود المحاولة.
"هناء"
تجتاحني وجنينها يستغيث.. ابنة مخيمي في السابعة والعشرين اطلق عليها النار زوجها منذ
ايام في حفل خطبة اقاربها. لم تأخذ "هناء" حقها، وكيف يأخذ الميت حقا لم
يأخذه في الحياة. ما زال القاتل فارا، لا انه مختبىء. لا حنجرة للقانون في مخيمي. وحدهم
الجيران ثرثروا عندما حاولت استنطاق البعض فكان التالي:"الله اعلم شو عاملة".
"العمى قتلها بالخطبة وشوفو شو عم ينحكي كيف اذا قتلها بالبيت".. "اهل
المخيم ساكتين لانها بنت". "اهلها معترين". "هاد واحد بيتعاطى..
عند ابو ..".. "هادا اللي ضابيته الحركة". "يا اختي هوي كان بيحبها..
ومن الحب ما قتل.. بس لازم يسلموه.. عشان يتربى". "بتعرفي هناء بتذكرني بمقطع
شعري لمحمود درويش: ظهري على الحائط.. الحائط الساقط".
حبست كلماتي معتقدة
انها اذا اطلقت ستقلل من شأن "هناء" وميتتها، لم نحرك انا واترابي في المخيم
سوى مشاعرنا تضامنا. نردد في انفسنا وامام بعضنا "ثوري فالثورة انثى" ونحن
اجبن من ان نتظاهر لاجل "هناء"، من ان نطالب حتى بتسليم القاتل. نعتبر ان
هكذا تحركات تلزمها قوة اكبر، فـ"صوت المرأة عورة" هذا ما قاله لي احدهم
بمحاولة لاسكاتي وانا اهتف في احد التظاهرات سابقا ضد "الاقتتال".
اعيش في مخيم
عين الحلوة شاهدة على الاحداث لا بل في صميمها، كلا. جزءا منها. اشبه "هناء"
التي اتكأت على "الحائط الساقط". اشبه صديقاتي اللواتي يكبرنني سنا فهن من
جيل والدتي. بعضهن يطرزن اثوابا فلسطينية بقطب بلداتهن، ويقتلعن بعض حق ورحمة من وحش
اسمه "مخيم"، اشبه "خالتو ام
محمد" من صفورية صاحبة العيون الزرقاء واللسان الحسام، متمردة تجمد خدها عندما
يسقط كف زوجها عليه، وتبلع دمعها وتكمل مسيرتها برغم كبر سنها. لطالما ذكرتني بـ"امينة"
في رواية احسان عبد القدوس التي رددت دوما "انا حرة.. انا حرة" حتى نالت
حريتها واقتلعتها من انياب محيطها وشارع العباسية، الا ان "ام محمد" دون
ان تقرأ تبنت قضيتها بنفسها، دون ان تقول انا حرة، مارست فعل الحرية كما لم تمارسه
حتى امينة جاعلة من نفسها قضية، وليس بهدف الشعور بالحرية. كلا. انني لا اشبههن. انني
اريد. اريد ان اشبه امي التي خلعت والدي، وهي لا تملك شيئا من مقومات الصمود في انعدام
الممول الاول "الحائط.. الساقط". اريد ان اشبه من افقد ملامحهن أو ملامحهم
الان.
اهناك احد مثلي؟
اهناك من يحاول ان يحفظ ملامح امه؟ اهناك من يحزن عندما تبتسم امه؟ اهناك قلب غير قلبي
لم يفقد امه لكنه يبكي عندما يراها؟
ادركت حقيقة شعوري
الغريب الحديث. ادركت لماذا اكاد انسى ملامحها الحقيقية(كما كنت اراها في طفولتي).
انها احدى نساء
المخيم المناضلات ممن نميزهن من ملامحهن. فقد نضج قلبي وبات يخجل منها ومن كثيرات مثلها.
المصدر:
السفير