في المقاومة.. لم تعد فلسطين مكاناً آمناً
للهجرة اليهودية
د.عصام عدوان
لقد أثبتت وقائع التاريخ الفلسطيني المعاصر بأن
معدلات الهجرة اليهودية إلى فلسطين كانت تتأثر بالثورات العربية في فلسطين سواء
قبل النكبة أو بعدها، حيث تتراجع معدلاتها بشكل ملحوظ، ذلك أن المهاجرين ينشدون
الأمن والاستقرار، والاستثمار في فلسطين، وهو ما يتناقض مع أجواء الثورات.
ربما أثرت المقاومة الفلسطينية بدرجات متفاوتة
في مدى إقبال اليهود في العالم على الهجرة إلى فلسطين، بسبب تضعضع الأمن في (
إسرائيل )، ومع ذلك تمدَّد الاستيطان في الضفة الغربية بسبب توفير السلطة
الفلسطينية للأمن للمستوطنين، وانعدام المقاومة الفلسطينية فيها منذ ثماني سنوات.
وفي الوقت نفسه لم تكن صواريخ المقاومة في قطاع غزة وعملياتها تتجاوز غلاف غزة،
ولذلك اقتصر تأثيرها على هذه المناطق وحدها.
الحرب على غزة في عام 2014م كانت ذات طبيعة
مختلفة؛ حيث طالت صواريخ المقاومة معظم المدن الإسرائيلية وبعض مستوطنات الضفة
الغربية أيضاً. وقد تعرَّض مستوطنو غلاف غزة لعملية نزوح طوعي إلى مناطق بعيدة
نسبياً داخل إسرائيل أملاً في النجاة من صواريخ المقاومة، ومن الأنفاق الهجومية
التي قدّروا إمكانية تسلل المقاومين إليهم عبرها، لكنهم فوجئوا بأن صواريخ
المقاومة لحقت بهم إلى أبعد مدى في إسرائيل. لم تعد حياة المستوطنين في إسرائيل
آمنة، سواء استوطنوا جنوبها أو شمالها أو أي منطقة فيها، وهذا يعني التالي:
1. سوف تسفر الشهور القادمة عن تراجع أعداد
المستوطنين في غلاف غزة، ليس فقط لأن بعضهم سيقرر الانتقال إلى مناطق بعيدة عن
غزة، بل ولأن بعضهم سيقرر الهجرة التامة من إسرائيل إلى موطنه الأصلي خارجها.
2. تلقِّي يهود العالم لأخبار نزوح مستوطني غلاف
غزة إلى درجة قيام السلطات الإسرائيلية بعمليات إجلاء للمستوطنين وعدم الاقتصار
على رغبات النزوح الطوعية، واحتكاك بعض هؤلاء اليهود مع بعض المهاجرين إلى الخارج،
سيؤدي إلى امتناعهم عن مجرد التفكير في الهجرة إلى إسرائيل مهما كانت الإغراءات
التي ستقدمها الحكومة الإسرائيلية.
3. وصول بعض صواريخ المقاومة خلال الحرب إلى بعض
مستوطنات الضفة الغربية، سيحول دون تدفق المهاجرين اليهود إلى هذه المستوطنات. كما
أن انتقال روح المقاومة إلى شباب الضفة سيشعر المستوطنين اليهود بالقلق الشديد على
مستقبل تواجدهم في تلك المستوطنات.
4. أقنعت الحرب كثيراً من المستثمرين اليهود
بألا مستقبل اقتصادي لاستثمارهم في فلسطين، ومع رحيل هؤلاء وسحب استثماراتهم،
ستتأثر الأوضاع الاقتصادية للعدو، الأمر الذي ينعكس على تراجع الاستيطان وتراجع
الهجرة معاً.
5. حالة المقاطعة الاقتصادية شبه العالمية
للمستوطنات اليهودية، ستقلص المردود الاقتصادي للمستوطنات اليهودية، وهي إن لم
تتراجع، فإنها لن تتطور.
أستطيع القول بكل ثقة أن عهد الهجرة اليهودية قد
ولّى، حيث ستتوقف نهائياً، وسوف تتعزَّز الهجرة المعاكسة، وسيتبع ذلك تراجع
الاستيطان إلى حدٍّ كبير. وإن تمكُّن المقاومة الفلسطينية في مواجهات قادمة من
تحرير بعض المستوطنات وإجلاء مستوطنيها سيدشن مرحلة هجرة يهودية معاكسة على نطاق
واسع، تمهيداً للتحرير الشامل. { وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ
قَرِيبًا}(الإسراء 51)
المركز الفلسطيني للإعلام