القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

في الموقف الفلسطيني من الثورة السورية

في الموقف الفلسطيني من الثورة السورية
 

طارق حمود/ كاتب فلسطيني من سورية

يُنظر للفلسطينيين دوماً لدى حدوث أية أزمة داخلية عربية بأنهم الحلقة الأضعف في المعادلة، ويُستثمر ظرفهم دوماً إما لرفع أو لإحباط أي تطور من شأنه أي يؤثر على مقام النظام الرسمي العربي، ولطالما دفع الفلسطينيون أثمان أزمات لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل. وعادة كان الفلسطينيون يدفعون أثمان المواقف السياسية لقيادتهم وسلوكها.، ومنها في الأردن أعوام 1970 – 1971، وفي لبنان إبان الحرب الأهلية، وفي موقف منظمة التحرير من غزو العراق للكويت عام 1991. فيما كان غياب القيادة التمثيلية للشعب الفلسطيني سبباً معاكساً لنفس النتيجة، إلى جانب تراكمات تاريخية تكفّلت بتكرار المشهد مع فلسطينيي العراق بعد غزوه عام 2003، وفي مخيم نهر البارد في لبنان عام 2007، ومنذ بداية الأحداث في سورية، فإن ذاكرة الفلسطينيين المشبعة بتلك الحوادث قرعت ناقوس الخطر مبكراً إزاء استعداد رسمي لجعلهم كبش فداء المرحلة. خاصة بعد الاتهام الرسمي لهم بالمسؤولية عن أحداث درعا واللاذقية مع بداية الثورة على لسان بثينة شعبان يوم 26/3/2011 خلال مؤتمرها الصحفي الذي لا ينساه الفلسطينيون في سورية. وفي ذاكرة الفلسطينيين من حكايات التورط والتوريط ما يجعلهم يعدّون للألف قبل الإقدام على مغامرة مع نظام رسمي عربي، ولكن يبدو أن الحالة السورية بتفاصيلها ومتانة أواصرها الاجتماعية بين الشعبين بخلاف ما عليه واقع الحال في بلدان أخرى، جعل قراءة المشهد السوري تتغير مابين بداية الأحداث حتى اليوم.

يخطئ من ينكر فضل النظام على الفلسطينيين، خاصة من ناحيتين أساسيتين وهما: الناحية السياسية التي وقف فيها النظام دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية في المحافل المختلفة، وفقاً لما يناسب سياسته الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، والتي مثلّت أهم مكونات شرعيته، ومن جهة أخرى- الناحية القانونية لوضع الفلسطينيين في سورية، والتي حافظ عليها بعد أن بدأها عهد الرئيس شكري القوتلي وحكومته التي أقرت القانون 260 لعام 1956، والذي منح اللاجئ الفلسطيني في سورية كافة الحقوق والواجبات الممنوحة للمواطن السوري ما عدا حقي الترشح والانتخاب، وتبعاً لهذه الأسباب وجد الشعب الفلسطيني نفسه في بداية الأحداث بين طرفي معادلة يصعب عليه الانحياز لأحدهما، خاصة مع احتضان الشعب السوري وحميميته المعهودة تجاه الفلسطينيين التي ساهمت في ترسيخ حالة اجتماعية نادرة للوجود الفلسطيني في الدول العربية، ولكن مع تصاعد الأحداث واتباع الحل الأمني لمواجهة مطالب الشارع السوري، وجد الشعب الفلسطيني نفسه يتجه تلقائياً وطبيعياً نحو مؤشر الشارع السوري، الذي كان يزيد ابتعاداً عن نظامه مع كل يوم وشهيد جديدين، ونتيجة ما هو راسخ في الوعي الفلسطيني الجمعي من مظلومية تجاه حقوقه في الحرية والكرامة، وما واجهه عبر تاريخة الطويل من قمع واستبداد وقهر مقابل مطالبه وحقوقه. لذا كان من الصعب عليه أن يبقي على مسافة واحدة بين طرفي الحدث السوري، وهو ما ترجمه فعلاً إنسانياً في الميدان لدعم الأشقاء السوريين بأقصى إمكاناته. فيما وجدت القيادة الفلسطينية نفسها أمام ضغط من طرفين: الأول متمثل بضغط الدم السوري النازف، وما حمله من مسؤوليات أخلاقية وإنسانية ووطنية تجاه محنته، كانت تزيد مع كل ساعة جديدة، والثاني تمثل بضغط الشارع الفلسطيني الذي وجد نفسه في قلب الحدث، ووجد نفسه أمام فاتورة دم لا تقل عن تلك التي يدفعها شقيقه السوري.

لقد دفع الشعب الفلسطيني أكثر من 640 شهيداً منذ بداية الأحداث أي ما نسبته 1.4% من مجموع الشهداء السوريين. بينما تبلغ نسبة سكان مخيمات الفلسطينيين 1.2% بالنسبة لمجموع السكان، وتصل إلى 2.1% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين داخل وخارج المخيمات بالنسبة لمجموع تعداد السكان في سورية. وهذه النسبة تعكس حالة الترابط بين نسيج المجتمعين السوري والفلسطيني داخل سورية، وتجعل من الجدل الدائر في الأروقة الافتراضية لمتابعي الشأن السوري حول ماهية الموقف الفلسطيني من الثورة السورية ضرباً من ضروب العبث، أو ضرباً من ضروب الجهل بواقع الحال على أقل تقدير. لكن دون أن ينفي هذا وجود مؤيدين متحمسين لممارسات النظام في الوسط الفلسطيني، لا يعدو كونه تماهياً آخر لحال المجتمع الفلسطيني والسوري داخل سورية، إذ أن نسبة تأييد ممارسات النظام ومرتكبيها من السوريين لا تزال تفوق بالتأكيد مثيلاتها لدى الفلسطينيين في سورية وإن قلت.

هذا الرقم الموثق لعدد الشهداء الفلسطينيين فضلاً عن الرقم المفترض والمقدّر من شأنه أن يضع أي جدال حول الموقف الفلسطيني من الثورة في خانة الترف السياسي لمن هم خارج الميدان الحقيقي. وربما يمثل أحياناً تغطية على حال العجز والفشل السياسي لبعض أطياف المعارضة السورية في رأب صدع بناها ورؤاها تجاه ثورة الداخل التي لم تضع الموقف الفلسطيني موضع الجدل إطلاقاً ولا بأي مستوى. والكلام لدى البعض حول موقفين للفلسطينيين، واحد للقيادة الفلسطينية وآخر للشارع، ينطوي على قصور وشمولية في النظر للحالة الفلسطينية في سورية، ولئن كانت هناك فجوة لا تنكر بين موقف القيادات الفلسطينية وبين موقف الشارع، فيمكن تأويلها في اختلاف الموقف في إطار الفرق بين العاطفي والسياسي، وبين الانطباعي والتحليلي. إذ أن موقف الحياد الذي تبنته معظم القيادات الفلسطينية تجاه الأحداث في سورية، لم يكن بالمعنى الحقيقي سوى انحيازاً للشارع السوري، خاصةً إذا اعتبرنا ظرفية وخصوصية الحالة الفلسطينية التي تعاني من أمرين أساسيين: الأول مرتبط بذاكرة التورط والتوريط الفلسطيني في الأزمات الداخلية العربية، وأثمان ذلك عبر السنيين، وعدم استعداد أي قيادة لتحمل مسؤولية أي مغامرة جديدة، والثاني يرتبط بتناقضات الحالة الفلسطينية الداخلية، التي لا تحتمل زج الفلسطينيين في أية مرحلة من مراحل الفوضى، التي قد تستنهض كل تراكمات الماضي بلحظة. وهذا ليس تبريراً لموقف بعض القيادات الفلسطينية بقدر ما هو محاولة لقراءة المشهد الفلسطيني الذي بُنيت عليه المواقف، مع عدم مراعاة تجاهل القيادة الفلسطينية لعذابات الفلسطينيين في سورية طوال أشهر من عمر الأزمة، والتي لا تزال بقاياها ممتدة حتى كتابة هذه السطور. بالاخص فيما يتعلق بالتجاهل الإعلامي للأحداث في مخيماتهم، وتجاهل المسؤولية السياسية والقانونية والوطنية تجاههم، لاسيما بعد تهجير آلاف العائلات الفلسطينية داخل وخارج حدود سورية من مخيماتها. ان محاسبة ونقد الموقف الرسمي الفلسطيني بمستوياته العليا من هذه الزاوية يستوجب اجراء كثير من البحث عن تفصيلات موقفه وتحليله واستنتاجه نظرياً تجاه الثورة. وبالتالي محاكمته على هذا الأساس، فمحاكمة الموقف السياسي الرسمي الفلسطيني هو موقفه حيال الفلسطينيين في سورية وما يتعرضون له أولاً، ثم حيال الأشقاء السوريين وما يتعرضون له، مع التأكيد من خلال ما سبق أن الحالتين هما حالة واحدة.

خلاصة القول أن الجدل حول موقف الفلسطينيين من الثورة السورية بات من ملفات الماضي، وأي محاولة للتشكيك به من خلال تركيز المنظار على سلوك هنا أو هناك، أو تصريح ما لجهة فلسطينية، لا يعدو كونه محاولة لا أقل ولا أكثر لإتهام الثورة بالخيانة من خلال تركيز منظار البعض على شريحة من السوريين لا تزال في صف النظام ولاءً وممارسة. كما ان أي نظرة شمولية أو تعميمية للموقف الفلسطيني لن تعطي الانطباع الحقيقي للموقف. فيما يقدم لنا الشهداء الفلسطينيون في ظل الثورة منذ بدايتها أوضح صورة للموقف الفلسطيني، وأكثرها حقيقةً. وهذه هي قيمة الشهادة من أجل قيم الحرية والكرامة والوفاء. أنها لاتقتصر على الموقف الميداني وحسب، وإنما تتعداها لتكون موقفاً ميدانياً وسياسياً واجتماعياً، وصورة ناصعة في تاريخ شعب تميز بتضحياته طوال قرن من الزمن.

المصدر: روسيا اليوم