في ذكرى النكبة هل يستعيد العرب اهتمامهم بقضية فلسطين؟
بقلم: د. يوسف نور عوض*
بعد أسبوع تمر الذكرى الخامسة والستين لنكبة فلسطين،
وأقول الذكرى حتى لا يعتقد أنها مناسبة احتفالية، إذ أنها في الحقيقة مناسبة تسلط الأضواء
على أكبر عملية تآمر تقوم بها الدول الاستعمارية على شعب أعزل تجرده من وطنه كما تكشف
حالة الضعف التي عاشت فيها الأمة العربية التي لم تستطع أن تدافع عن شعب فلسطين إلا
بالكلام حتى وصلت حالته إلى ما هي عليه الآن.
وأرى هنا أن نستعيد ما حدث قبل أن نرى التطورات الأخيرة
في هذه القضية، وكما ورد في المقالة الشاملة التي كتبها الدكتور غازي حسين فإن قضية
فلسطين هي قضية زرعتها الدول الاستعمارية والحركة الصهيونية العالمية. وتذرعت معظم
هذه الحركات بما حدث لليهود في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ورأت هذه الدول
أن تهجرهم إلى ما اعتبرته وطنا تاريخيا للشعب اليهودي، ولكن حتى لو صح ذلك، أليست فلسطين
هي أيضا وطنا مشروعا للشعب الفلسطيني، وإذا كان الكثيرون يدعون الآن إلى حل الدولتين
ألم يكن من الممكن أن يستقبل اليهود في فلسطين كمهاجرين عاديين دون أن يعملوا على طرد
الفلسطينيين من أوطانهم وممارسة التطهير العرقي ضدهم؟
لقد دمرت إسرائيل أكثر من خمسمئة قرية فلسطينية وارتكبت
مجازر ضد الفلسطينيين كما قامت بإبادة جميع الأسرى العرب من مصريين وسوريين ولبنانيين
وفلسطينيين في أحد المعسكرات في مدينة يافا.
وإذا كان العالم كله وقف مناهضا للنظام العنصري في جنوب
أفريقيا فإن ضعف العرب في هذه المرحلة من التاريخ هو الذي يتيح للعالم أن يساعد أكبر
نظام عنصري في العصر الحديث. وبالتالي فيجب ألا تتحول نكبة فلسطين إلى مجرد ذكرى خاصة
بعد أن فشلت اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وجميع هذه الاتفاقات أدت إلى تحالف
استراتيجي مع العدو الفلسطيني ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويكفي أن نلاحظ
الآن مع فرحة الرئيس السادات بتوقيع اتفاق السلام مع إسرائيل وهو الذي أهله للحصول
على جائزة نوبل فإنه لم يستطع أن يستعيد صحراء سيناء بدليل أن مصر لا تستطيع أن تفرض
إرادتها على هذه الصحراء وهي غير قادرة على إدخال جنودها إلى سيناء مسافة تزيد عن أربعين
كيلومترا. وكان من المحزن أن تشارك بعض الدول العربية في الحصار على قطاع غزة في وقت
كان يعاني فيه شعب القطاع من الجوع والمرض والحرمان، وإذا كان الكثيرون يلومون السلطة
الفلسطينية في الوقت الحاضر بأنها تقدم تنازلات غير مبررة للكيان الصهيوني فيجب أن
نعلم أن السلطة وحدها لا تمتلك القوة التي تجعلها تفرض إرادتها على الكيان الصهيوني،
وإذا كانت إسرائيل قد حصنت نفسها بامتلاك السلاح النووي فيجب أن يعلم الكثيرون أن استخدام
السلاح النووي في هذه المنطقة سوف يؤثر على إسرائيل ذاتها، وإذا كان من المفروض مواجهة
التهديد بالتهديد فما الذي يمنع الأمة العربية أيضا من امتلاك السلاح النووي من أجل
التوصل إلى حل مشروع للقضية الفلسطينية.
ونلاحظ في هذه الأيام أن الجامعة العربية أحيت من جديد
مبادرة السلام التي قدمتها المملكة العربية السعودية، بعد أن أضافت إليها بعض التعديلات،
وكانت هذه المبادرة تدعو في أول أمرها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني
إذا وافق على الانسحاب من الأراضي التي احتلها في عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين، وقد
أضافت إليها الجامعة العربية بندا يدعو إلى تبادل الأراضي مع الفلسطينيين، ويعني هذا
البند الموافقة على المستوطنات التي بنتها إسرائيل مقابل تعويض الفلسطينيين بأراض تحتلها
إسرائيل، وقد وجد هذا الاقتراح ترحيبا من الولايات المتحدة التي اعتبرته خطوة مهمة
في طريق السلام ورحبت به كذلك ‘تسيفي ليفني’، ولكن ذلك لم يكن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو الذي يرى أن جوهر القضية الفلسطينية لا يتركز حول الأراضي المحتلة
بل حول الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ولا أدري كيف يمكن أن يعترف الشعب الفلسطيني
بذلك وهو الذي يرى أن الدولة الإسرائيلية هي دولة احتلال حرمته من الإقامة في وطنه
المشروع.
ويقول بنيامين نتنياهو إن الاتفاق الذي حدث مع غزة يقدم
له درسا يتعلم منه، إذ أن الاتفاق لم يوقف إرسال الصواريخ إلى داخل إسرائيل، وبالتالي
فهو لا يرى أن الانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام سبعة وستين سوف يوفر
الأمن لإسرائيل، ولكنه لم يقل كيف يمكن أن يوفر الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية الأمن
لها إذا كان الفلسطينيون مازالوا يعيشون حياة التشرد والبعد عن أوطانهم
وبلغ التطرف بدولة إسرائيل أنها تقول على لسان وزير الأمن
‘جلعاد أردان’ إنها ترفض التفاوض مع الفلسطينيين على حدود عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين
لأنه إذا وافقت إسرائيل من حيث المبدأ على ذلك فلن يكون أمامها شيء تتفاوض عليه، والسؤال
المهم هو هل أراضي سبعة وستين هي أراض إسرائيلية في الأساس؟ ولماذا يدعم العالم الغربي
إسرائيل في مثل هذه المواقف العنصرية وغير الإنسانية؟
وفي ضوء ذلك فإن إسرائيل ترفض المبادرة العربية التي
هي في حد ذاتها تقدم تنازلات لدولة الكيان الصهيوني.
وإذا نظرنا لكل ما يحدث بين العرب وإسرائيل بشأن القضية
الفلسطينية وجدنا أنه انعكاس لحالة الضعف التي تعيش فيها الأمة العربية التي لا يعرف
أحد كيف تحتل كل هذه المنطقة المهمة من العالم ومع ذلك لا يمكنها أن تسيطر على أمنها،
ذلك أن القضية الفلسطينية لن تجد حلها المشروع إلا إذا استطاعت الأمة العربية بناء
قوتها الرادعة التي تجعل إسرائيل تفكر كثيرا قبل أن تتخذ موقفا ضد الفلسطينيين أو ضد
العرب، وقد بينت في مقالة سابقة أن إسرائيل بدأت تتدخل مع دول حوض النيل من أجل حرمان
مصر من نصيبها الحالي من هذه المياه، فهل تقدر مصر على تحمل هذا الوضع إذا حدث؟
الحقيقة التي يجب أن تتوقف عندها كل دول الأمة العربية
هي أن السياسات الإسرائيلية لا تسير في صالحها، وأن الأمة العربية لا تفتقر إلى الإمكانات
التي تجعلها تحافظ على مصالحها، ولكنها لا تعمل وفق رؤية سليمة وهي الآن توفر الظروف
التي تجعل رئيس وزراء إسرائيل يقوم بزيارة إلى الصين التي تعتبر من أهم أصدقاء العرب
وترتبط مع الأمة العربية بعلاقات اقتصادية مهمة لا يمكن التضحية بها.
كاتب من السودان
المصدر: القدس العربي،
9-5-2013