في ذكرى يوم الأرض..
لا للوطن البديل
بقلم: د. إسماعيل هنية
مصر التي في خاطري وفي
فمي.. أحبها من كل روحي ودمي. ليست هذه الكلمات ترديدا لبيت من شعر، ولكنها تغريدة
نفس عشقت مصر...عشقتها وهي تقلب صفحات تاريخ مجيد، وحضارة عظيمة، وتقف في وقار
أمام أزهرها العامر بالعلم والعلماء، وتتوشح بدماء الآلاف من شهدائها الأبرار الذين
كتبوا تاريخ الأمة بدمهم الطاهر، وحققوا مقولة أنهم خير أجناد الأرض. كيف لا؟
وهم الذين حرروا فلسطين
بقيادة صلاح الدين، وردوا هجمة التتار بقيادة بيبرس وقطز في عين جالوت، وكانوا على
مدى التاريخ المخزون الاستراتيجي للأمة وفلسطين، عبروا القناة وهم يصرخون الله أكبر،
فمسحوا بها هزيمة الأمة عام1967، وحققوا مقولة الرئيس الراحل عبد الناصر:' ما أخذ بالقوة
لا يسترد إلا بالقوة'.
فكيف بعد ذلك يتقول علينا
في حب مصر والعرفان بجميلها المتقولون، إن ما يربطنا بمصر أكبر من رابطة الجوار، وأكبر
من المصالح المادية بين الشعوب، إنها رابطة الأخوة والدين والتاريخ المجيد، ورابطة
الغيرة على أمنها وشعبها، والحرص على ألا تؤتى مصر من أعدائها أو المتربصين بها وبثورتها.
وأكتب لكم اليوم يا شعب مصر الحبيب في ذكرى يوم الأرض الخالد اليوم الذي سجل انتفاضة
شعبنا في الأراضي المحتلة عام 48 دفاعا عن أرضهم سنة 1976 متحدين الاحتلال بصدورهم
العارية مما أوقع العديد من الشهداء والجرحى.
لقد شكلت الأرض ومازالت
مركز الصراع وجوهر القضية، وأرض فلسطين دون أي أرض ليست للفلسطينيين وحدهم بل هي وقف
لكل العرب والمسلمين.
ولأن هذا اليوم الذي يرمز
للثبات على المبدأ والتشبث بالأرض مهما كانت الدماء والتضحيات المبذولة، فقد كتبت هذه
الكلمات إلى شعب مصر العظيم مستحضرا أرواح شهدائها الذين ضحوا إلى جانب إخوانهم من
أهل فلسطين في سبيل تحرير فلسطين في كل الحروب على جبال وتلال القدس وصور باهر والفالوجة
وغزة وغيرها، وأهل فلسطين لم يسقطوا شهداء دفاعًا عن الأرض فقط، بل رفضًا للبديل أيضًا،
ولو كان هذا البديل أغنى وأجمل أرض في العالم، هذه القيمة هي التي دفعتنا إلى رفض التوطين،
ومقاومته بكل شراسة، رفضناه في الأردن وفي سيناء وفي لبنان وفي كل مكان، وفضلنا عليه
اللجوء مع مرارته في انتظار العودة، صدئت المفاتيح ولم تصدأ الهوية، وتعبت السنون ولم
تتعب الروح ومات الأجداد ولم يمت الحلم، ونحن على العهد ماضون، أفيأتي بعد ذلك كله
من يتهم شعبنا بتهمة التفكير في اتخاذ سيناء وطنا بديلا؟
وقد شهدت الدنيا لنا عام
أربعة وخمسين كيف أحبطنا مشروع التوطين، وشهدوا علينا أننا أثناء حرب الفرقان والسجيل
بدلًا من الفرار من وجه الموت كان الفلسطينيون إلي الموت يعودون، بل إلي الحياة يعودون!
ويتذكر ذلك إخواننا المصريون، ويشهدون كيف دفعنا ثمنًا باهظًا، من أشلاء أطفالنا الذين
مزقت أجسادهم الطرية قنابل الفسفور علي الهواء مباشرة، وهم في أرضهم صامدون، ورأى العالم
كله الرجال والنساء والشيوخ يذبحون ولا يتراجعون، وهدمت المساجد على رؤوس المصلين الموحدين
ولم ترهم يتراجعون، ودمرت المدارس والمصانع والمشافي والجامعات، والمخابز والطرقات
ونحن صامدون، ندافع عن المقدسات وعن الأسرى وعن كرامة العرب والمسلمين، بسلاح الإيمان
وبعض من سلاح صنعنا بعضه بأيدينا. لا أحد من أبناء مصر أو فلسطين يستفيد من تشويه الرجال
الذين يهتفون ليل نهار بحب مصر ويدافعون عن أمن مصر، أو تشويه المقاومة التي تدافع
عن كرامة الأمة. إننا على اقتناع تام بأن مصر كانت وستظل قلعة عصية على الاختراق والتطبيع،
وستظل حاضنة للقضية الفلسطينية والمقاومة.
إن الارتباك في المشهد
المصري وفي علاقته بفلسطين يثلج صدر العدو فقط، وبدا ذلك واضحا في وسائل إعلامه، وفي
تصريحات مسئوليه، الذين رأوا أن مصر في طريقها إلى الانهيار بسبب وقوف مصر وقادتها
إلى جانب فلسطين وغزة والمقاومة.
إن استراتيجية العدو هي
إشعال الفتنة في مصر وبين مصر وفلسطين بهدف ضرب الثورة وضرب القضية، فيما يعرف بنظرية
الفوضى الخلاقة التي ابتدعتها كونداليزا رايس، فهل ينجحون؟ ولا أعتقد أنهم سينجحون،
وسرعان ما تعود الروح إلى مصر الحبيبة إلى روحها الأصيلة وتنحاز إلى أمتها ليعود لها
الأمن والخير، ولتعود لشعبها المحبة والتعاضد، ولدورها المحتضن لقضية فلسطين. إنني
أؤكد هنا، وفي ذكرى يوم الأرض يوم شهداء فلسطين ومصر والأمة العربية:
أن الشعب الفلسطيني وقواه
المجاهدة وفي مقدمتها حركة حماس يؤكد أهمية العلاقات التاريخية مع جمهورية مصر العربية،
ونحن نشيد بالدعم المصري للشعب الفلسطيني وقضيته خلال العقود والسنوات الماضية ونعتز
بالتضحيات العظيمة التي قدمها الشعب المصري من أجل القضية الفلسطينية في إطار قيام
مصر بدورها القومي، ونؤكد مركزية الدور الذي تلعبه مصر لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية
ونتمسك باستمرار دورها في هذا المجال حتي إنجاز الوحدة وإنهاء الانقسام. كما أننا لا
نتدخل في الشأن الداخلي لمصر ولسنا طرفا في أي خلاف سياسي داخل الساحة المصرية، وعلى
الرغم من أننا ننتمي لمدرسة الحركة الإسلامية غير أننا نقف على مسافة واحدة من كل القوى
السياسية في مصر، ونرى فيها ذخرا وسندا لفلسطين وشعبها، وكل من يحاول التدخل في شئون
مصر أو يضمر لها سوءًا أو شرًا منبوذ من شعبنا وحكومتنا. وأنه لا مساس بالسيادة الوطنية
المصرية لا في سيناء ولا في غيرها ولا نسمح لأحد الاعتداء على هذه السيادة، إذ رفضنا
ونرفض التوطين داخل سيناء أو غيرها ( فكرة وتطبيقا)، فلسطين وطن الفلسطينيين كما مصر
وسيناء وطن المصريين، ولا أساس لكل ما يتم الترويج له على هذا الصعيد.
إننا نعتز ونقدر لجيش مصر
العظيم خير أجناد الأرض كما قال المصطفي -صلي الله عليه وآله وسلم- دوره الوطني والقومي
وكفاحه الطويل علي جبهة الصراع مع العدو الصهيوني، باعتباره أكبر وأهم الجيوش العربية
ودوره المهم في حفظ التوازن الاستراتيجي مع الاحتلال الإسرائيلي، ونؤكد أن شهداء الجيش
المصري في رفح هم شهداء فلسطين، وعلى صدورهم أوسمة القدس وبوارق النصر بإذن الله تعالى،
وجاهزون للتعاون الكامل لكشف المتورطين بهذه الجريمة النكراء التي هزت كل بيت فلسطيني
كما هو كل بيت مصري.
إن الأمن القومي المصري
وعاء استراتيجي لأمن فلسطين والمنطقة العربية، وغير مسموح لأي فلسطيني العبث بأمن مصر
والحكومة تبذل قصارى جهدها لحماية الأمن المشترك، وأمن الحدود ولا تسمح لأي كان أن
يجعل غزة منطلقا للإضرار بأمن مصر وسيناء على وجه الخصوص، وبهذه المناسبة أود التوضيح
أن الأنفاق الحدودية في رفح حالة اضطرارية لجأنا إليها بسبب الحصار الدولي المفروض
علينا، ليصل إلى الناس قوت يومهم وسبب صمودهم الدولي، ولا نمانع من إغلاقها في حال
توفر البديل الطبيعي من فوق الأرض. وأؤكد بأن مصر لن ترى من غزة إلا كل الخير والعزة
والصمود والدفاع عن فلسطين وعن حدود مصر الشرقية، وأشير هنا إلى أن مطالبتنا للأشقاء
في مصر برفع الحصار عن غزة وتحويل معبر رفح إلى معبر للأفراد والبضائع وتزويدنا بالكهرباء
والوقود، كل ذلك محكوم بالثابت السياسي لدينا وهو أن غزة جزء من الأرض الفلسطينية ولا
نقبل أن تلقى غزة في وجه مصر، ونحن لا نعفي الاحتلال من مسئولياته، وإنما مطالبتنا
الإنسانية وإنهاء الحصار الظالم على غزة نابعة من نظرة الأخ إلى أخيه الذي يقف إلى
جانبه وقت الشدة والعسرة.
وختاماً فإننا نتمنى من
وسائل الإعلام المصرية توخي الدقة والمهنية عند تناول الموضوع الفلسطيني بشكل عام وموضوع
غزة بشكل خاص، والانتباه من محاولات خلط الأوراق وتعويم المغالطات التي قد تؤدي إلى
تأجيج الرأي العام المصري تجاه إخوانهم في فلسطين، مدركين أن دعم الشعب المصري للقضية
الفلسطينية هو عنصر أساسي وركن متين من أركان الصمود والاستمرار في النضال الوطني لإنجاز
مشروع التحرير والعودة والاستقلال. حفظ الله مصر وأبقاها سندا وذخرا على الدوام.
المصدر: المركز
الفلسطيني للإعلام