في رثاء «أبي موسى» فـلاح فلسـطيـني نحبـه
بقلم: ماهر حمود
توفي «أبو موسى» على فراشه بعد أن خاض معارك كثيرة، على طريق فلسطين، بدأ عسكرياً ومات عسكرياً، لم تلوّثه السياسة ولم تفقده مصداقيته، يحدّثك بكل صراحة عن أخصامه وعن حلفائه، وبشفافية بالغة، لا يفقده حبه لجهة ما، عدالته في الشهادة، لم يظهر عليه أثر الترف ولا تاه في الألقاب والمناصب، ظل ذلك الفلاح العسكري الذي يشبه تراب فلسطين وزيتونها وبيّاراتها.
تحبه بصدق، خاصة وأنت تتصحف مذكراته وما فيها من تفاصيل، تحبه وتحب أخصامه أيضاً، طالما أن الجميع على طريق فلسطين يتنافسون فيها لا عليها سواء أخطأوا أم أصابوا...
نعم وبرغم الاجتهادات الخاطئة... أحب المتناقضين بكل تناقضاتهم على طريق فلسطين طالما تجمعهم طريق فلسطين بأخطائهم وبصوابهم، باستقامتهم وبانحرافهم أحياناً.
على هذا، لا أجد مانعاً من ان أبكي الشهيد ياسر عرفات رحمه الله، خاصة بالطريقة والشكل الذي استشهد عليه، وأبكي في نفس الوقت صديقه اللدود الذي انشق عنه وحاربه منذ ثلاثين عاماً، ولا يستطيع إلا أن تحترم الاثنين معاً، وأنت تسمع «أبا موسى» وهو يحدثك عن دهاء ياسر عرفات رحمه الله بالمعنى الإيجابي للكلمة، حيث ذكر مرة ومن دون أن يتوقف عن الضحك خلال سرده لهذه القصة: كيف ان ضابطاً برتبة ملازم منع ياسر عرفات بما يمثل، من الدخول إلى سوريا بحجة أن موعده في وقت آخر، ثم عندما استدعي عرفات بعد أيام بعد تحديد موعد له اختار أن يعبّر عن اعتراضه عن الشكل الذي منع فيه من الدخول إلى سوريا باصطحاب «أبي موسى» بما يمثل بالنسبة لسوريا (بعد معركة الدبابات في ساحة النجمة في صيدا العام 1976 وغيرها)، فكان كلما توقف عند حاجز قال أعرّفكم على «أبي موسى»، ويقول استعملني لإيصال رسالة (لئيمة) في ذلك الوقت.
نعم... «أبو موسى» الذي دمّر الدبابات السورية في ساحة النجمة في صيدا وواجه القوات السورية في صنين العام 1976 هو نفسه الذي عاش بعد ذلك ثلاثين عاماً في سوريا يحمل الجواز العربي السوري و(يصطف) وهذا التعبير له كان يستعمله كثيراً ـ يصطف ضمن الصف السوري والموقف السوري مؤكداً ـ، كما غيره، أنه خصم شريف وحليف شريف ومقياسه فلسطين والمقاومة والممانعة والوضوح في رغبة الموت على طريقها.
نعم... كلنا أخطأنا في حق فلسطين، وفي حق أوطان ومبادئنا، وفي حق الإسلام والأمة وما تستوجب من التزامات ويشفع للمخطئين، بل وللخاطئين أنهم اخلصوا على طريقها الذي هو ضمن طريق الإسلام والإيمان، بل لا يصح إسلام إلا بفلسطين ودربها الشائك، هؤلاء سواء اخلصوا دهراً أو برهة، سواء اخلصوا في الكبيرة أو في الصغيرة، إنما كان الغالب أنهم أرادوا الحق سواء أصابوه أو أخطأوه، كان حلمهم الكبير في اليقظة وفي المنام وكان همّهم في ترحالهم وإقامتهم، وفي جدّهم وهزلهم، في انتصاراتهم أو هزائمهم، وفي كل حال من أحوالهم... فلسطين وما تمثل، والإدانة كل الإدانة لمن زعموا وطنية أو عروبة أو إسلاماً من دون أن يبذلوا على طريق فلسطين سوى الكلمات والخطب والبيانات العنيفة واللغو والصخب.
رحمك الله «أبا موسى»، فارساً، عسكرياً، صادقاً، شهماً، مؤمناً، مستقيماً، حاجاً، صائماً، باذلاً على طريق فلسطين وطريق الإسلام، عسى أن تكون شهيداً على فراشك.
المصدر: السفير