في سورية.. ضرورة حماية اللاجئين الفلسطينين
محمد مشينش - استانبول
رغم أن عدد الشهداء قارب الألف، ولا يزال
العدّ جارياً في سوريا الجريحة، إلا أن الضمائر ما زالت في سبات عميق، وما زال المسؤولون
الفلسطينيون يبحثون ويؤسسون اللجان ويقوّمونها ويتشاورون ويستنكرون ويشجبون. أما الناشطون
الأبطال، فها هم في ساحات الفيسبوك يطاردون الفاعلين من صفحة إلى صفحة، ويسمعونهم أقذع
الألفاظ، ويجمعون اللايكات والمشاركات والكومونتات دون أن يأبهوا لبطء نت أو انقطاع
خدمة. صامدون بوجه الشاشات حتى احمرّت عيونهم، لا تمرّ ليلة دون سهر، وهم يتابعون التعليقات
ويقلبون الصفحات عن كلمات وصور تزيد عدد الأصدقاء.أما مؤسسات العمل الفلسطيني المنتشرة
في كل العالم، ذات الأسماء الكبيرة ومساحات العمل الواسعة، فلا تُعرف أولوياتها في
العمل، ولا أحد يعرف ما يثيرها من مآسٍ لكي تحرك نفسها وتقف مع اللاجئين في الشتات
في محنتهم هذه، وقفة حقيقية دائمة وليست آنية. وأكرر قولي بالدائمة لا الآنية.
كثيرون يتحدثون عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين
الذين خرجوا من سوريا والذين بقوا في سوريا، وعن أهوال ما يتعرضون له من قنص وقصف ونقص
في الأموال والأنفس، وتحدثوا قبلها عمّا حصل لفلسطينيي العراق دون أن أبتعد إلى ذكر
ما حصل في القرن الماضي في لبنان والأردن والكويت وليبيا. إلا أن هناك جهداً لا يُنكَر
من جهات فلسطينية مختلفة للتخفيف من معاناة أبناء شعبها، وأموال تنفق من أجل ذلك، لكنها
ــ بكل بساطة ــ لا تكفي لسدّ احتياجات اللاجئين الفارين من القتل والمطاردة. وبكل
ثقة أقول إن هذه الأموال لو أُنفقت قبل وقوع الكارثة، سواء في العراق أو في سوريا،
لما حصل هذا كله، أو على الأقل لما رأينا هذا الفصل من الشتات الجديد، سواء لمن سبقهم
من فلسطينيي العراق، أو ما يحصل الآن لفلسطينيي سوريا، لو أنفقت على مشاريع الحماية
ومشاريع قانونية توقف الأونروا عند مسؤولياتها وتجبر المفوضية بالقانون على التعاطي
مع اللاجئين وحمايتهم، وتقف بوجه كل من يتجاوز القانون في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين.
كل مشروع، وإن طالت فترته، فإنه على أقل
تقدير يربح العقل التراكمي إن قوّمناه كعمل سياسي، أو كخبرة إن عددناه عملاً إغاثياً
أو اجتماعياً. أما أن يكون مشروعاً سياسياً دون تحقيق التراكم للوصول إلى هدف، فإنني
أعتقد أننا أمام معضلة حقيقية في الوصول إلى طرح أهداف لمشاريع تحمي اللاجئين ولها
رؤية لما سيؤول إليه حالهم، على اعتبار أن التاريخ قد سخّر لنا الحصول على ما يكفينا
من تجارب وخبرات عن اللاجئين في الجوانب الخدمية.
فلو عرضنا ما يدور من حولنا، ووقفنا على
ما حصل لفلسطينيي العراق، وما يحصل الآن لفلسطينييي سورية، فإننا سنجد براعة للمؤسسات
الفلسطينية على المستوى التوثيقي، وعلى المستوى الإغاثي كذلك، فهناك جهد لا ينكر في
هذين المجالين، مع ضرورة السعي إلى الأكثر. أما على المستوى الحقوقي، فإن في الأمر
قصوراً واضحاً، وعلى المستوى القانوني هناك ضياع للبوصلة، وعلى المستوى السياسي فقدنا
الرؤية وسط زحام القضايا التي تتعلق باللاجئين في الشتات؛ فالمشاكل عمّت كل ساحات الوجود
الفلسطيني.
قد يُعلَّل هذا القصور بعدم وجود جهة تمثل
اللاجئين وتتمتع بالاعتراف الدولي مثل منظمة التحرير النائمة، التي لو تحركت لتغيرت
الحال، ولكن هذا ليس مبرراً؛ لأننا لا نتكلم على مشكلة ولدت اليوم؛ فمعاناة اللاجئين
في الشتات يومية، وعلى كافة المستويات، ومنذ اقتلعهم الكيان الصهيوني من أراضيهم في
وطنهم فلسطين، من قبل أن تولد منظمة التحرير وبعد أن غابت منظمة التحرير ونامت.
أوضاع اللاجئين في الشتات تحتاج إلى منظومة
حماية حقيقية تعمل على حماية اللاجئين وتمنع الخروقات التي يتعرضون لها من الناحية
القانونية أو الحقوقية، وفي الوقت نفسه الذي نفكر فيه بهذه المنظومة وآلياتها وبرامجها،
فإننا يجب أن نفكر في كيفية تطبيق ما سنصل إليه من برامج ومشاريع، وكيف نجعلها ملزمة
لكافة الأطراف، أي بمعنى آخر كيف نعطي قوة لمنظومة حماية اللاجئين.
نجحت المؤسسات الفلسطينية في تحييد اللاجئين
في سوريا، والتزمت الحياد الإيجابي وخلقت الوعي الجمعي لهذا التوجه، ومنعت الهجرة الجماعية
في البداية، ولكن جهدها الآن ذهب أدراج الرياح، ولم تستطع أن تصمد طويلاً. قُتل اللاجئون
وتشتتوا، وهُجِّرت المخيمات، وبرز السؤال الحقيقي الذي لا يريد كثيرون أن يفكروا فيه:
هل إنجازات المؤسسات الفلسطينية، على كثرتها وتشعباتها وكثرة اختصاصاتها، تساوي ما
تحقق على أرض الواقع؟ فهل استطاعت أن توقف
ما تعرّض له اللاجئون من قتل واستهداف، أم هل تمكنت من وقف الهجرة إلى الشتات الجديد؟
هل يمكن أن يُقبل العذر في أن ما يحصل للاجئين هو
جزء من الانفلات أو جزء مما يتعرض له إخواننا من الشعب السوري، وهو العذر نفسه الذي
ذكر مع اللاجئين الفلسطينيين في العراق؟
هل يَقبل هذا من قتل أحبابه وأهله وجيرانه؟ هل يَقبل
هذا من جاع أو برد أو جافاه النوم، وهو يسمع أنين طفله المريض في مخيمات البؤس والمذلة؟
هل يقبل هذا من فقد 64 عاماً من حياته ليعود من جديد الى الخيمة . هل يحتمل هذا الغياب
للعقل الفلسطيني والعجز عن ايجاد منظومة حماية تقف بوجه من يستهدف اللاجئين ويقتص ممن
يقتلهم ويهجرهم ، سؤال برسم التفكير؟
المصدر: مجلة العودة، العدد الخامس والستون