في عيد الاستقلال ما زلنا تحت
الاحتلال..
عبد الحميد أبو النصر
تمر الذكرى 26 على إعلان وثيقة
الاستقلال الفلسطيني عام 1988 في الجزائر، وما زال شعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال،
وقد تكون بما حملته الوثيقة آنذاك نقطة تحوّل في العمل الوطني الفلسطيني، خاصة في
تحديد سياسات الحركات الوطنية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية،
باعتباره أول إعلان فلسطيني يحدد خطوطاً عريضة شملت إقراراً بحدود حزيران عام 1967
كحدود نهائية للدولة الفلسطينية، والاعتراف بالقرارين 242 و338.
قام ياسر عرفات بمحاولة للخروج بصيغة
توفيقية، باعتبار أن هناك فصائل في منظمة التحرير الفلسطينية قد رفضت بعض
الصياغات، ومنها الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، والجبهة الديمقراطية بقيادة نايف
حواتمة، إلا ان ياسر عرفات استطاع إقناعهم بالاعتراف والانضمام لإعلان الوثيقة،
وهو يعلم أن غياب أحد هذين الفصيلين بالذات سيؤثر في طرح الوثيقة، فيما اعتبرت بعض
دول العالم أنه تحرك أحادي الجانب، ولكن لم تقلّل من شأن الحدث، باعتبار أن
الوثيقة بحد ذاتها كانت هي جوهر مؤتمر 88، وحملت قيمتين، الأولى سياسية، والثانية
لفظية معنوية، فسياسياً كان المهم من خلال طرحها هو إعلان مبادئ وخطوط عريضة،
ورسائل مهمة للمجتمع الدولي في كافة الاتجاهات، وأيضاً لإسرائيل والولايات المتحدة
الأميركية بأن هذا أقصى شيء ممكن تعلن عنه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كمبادرة
إيجابية القصد منها إحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي ورمي الكرة في ملعبها، وذلك
بقبول التنازل عن فلسطين التاريخية، والموافقة العلنية على القرارات الدولية. أما
الرسالة اللفظية والمعنوية فتمثلت في العبارات التي جاءت في الوثيقة وحرّكت مشاعر
الفلسطينيين، والعرب، والعالم، وتركت بالغ الأثر، من خلال صياغة محكمة كتبها شاعر
الثورة محمود درويش، وصاغ خطوطها العريضة ياسر عرفات، لكن الأهم في مخرجات الوثيقة
ونتائجها أمران مهمان: الأول تحرك أميركي ودولي سريع كردة فعل بعد الإعلان وطلب
الاستيضاح بما جاء فيها مباشرة من ياسر عرفات، وإعطاء تفسيرات نهائية وأكثر وضوحاً
تفضي لفتح قناة اتصال مباشرة للتفاوض، والدخول في عملية سلمية أدت في ما بعد
لاتفاقية أوسلو ومجموع ما تبعها من اتفاقيات. الشيء الثاني والمهم ظهور تيار مناوئ
للوثيقة جملة وتفصيلاً، معتبراً أن الوثيقة خروج عن المصلحة الوطنية وتنازل عن
الثوابت الفلسطينية.
واليوم بعد مرور 26 عاماً على إعلان
وثيقة الاستقلال، وما حملته من قيمة وأمل للفلسطينيين، وطوق نجاة يستطيعون من
خلاله الخروج من حالة العزلة، في ظل غياب الموقف العربي، واستمرار التسلّط الدولي
والرعاية الأميركية للاحتلال الإسرائيلي، فإن القضية الفلسطينية لم تتراجع، لأننا
بالأصل لم نتقدم. وبمقياس أهداف الوثيقة، علينا أن نكون موضوعين، فلم تحقق أياً
ممّا جاء فيها وأولها قيام دولة فلسطين على حدود حزيران 1967، وعاصمتها القدس
الشريف، ولم يعد اللاجئون الفلسطينيون إلى أراضيهم وبيوتهم، بل بالعكس زاد العدوان
وكان آخره عام 2014 على قطاع غزة الذي خلّف أكثر من 2000 شهيد وآلاف الجرحى،
ودماراً قدّره المجتمع الدولي بـ4 مليارات دولار، فيما زادت الكتل الاستيطانية في
القدس والضفة الغربية، وسط تأهب الاحتلال إلى تقسيم الأقصى، على غرار تقسيم الحرم
الإبراهيمي في الخليل، بعدما تمت السيطرة على مداخل ومخارج البلدة القديمة. وهنا
لا ننكر الدور الكبير والهدف السامي الذي حمله ياسر عرفات في إيصال رسالة
الفلسطينيين إلى العالم بضرورة إرجاع بعض الحقوق المسلوبة وإقامة دولة فلسطينية
تضمن الحياة بكرامة، مع ضمان حق العودة، والقدس عاصمة لهذه الدولة، ولكن إسرائيل
لم تتغيّر إجراءاتها وأساليبها بقدر تغيّر سياستها في إدارة الاحتلال، وإعادة
الانتشار من حين إلى آخر، فيما لم نستثمر هذا التحرك بشكل إيجابي ليخرجنا من عنق
الزجاجة، ليبقى الفلسطينيون يحتفلون برمزية ذكرى وثيقة الاستقلال كأمل صاغه ياسر
عرفات، فيما سياسة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية تؤكد أنه أمل ما زال بعيد
المنال.
المصدر: العربي الجديد