في البيت وخارجـه ترفع شعار "حتماً عائدون"
في فلسـطين... المرأة لا تنســى "حــق العــودة"
هي ليست أمّ الشهيد وزوجتـه فحسب، ولا أمّ الأسيـر وزوجـته، ولا هي كل الألقاب الدامعة في فلسطين، بل هي المرأة المقاتـلة والمحاربـة بكل ما لديـها من سـلاح، وهي من نذرت نفسـها لتكون جنباً إلى جنب مع رجال عظماء يتصدَّون ليل نهار لمخططات الاحتلال الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم وتشريدهم من بيوتهم وتزييف هويتهم.
وعلى مدار الأعوام والعقود الماضية، أدت المرأة الفلسطينية دوراً فاعلاً وبارزاً في ترسيخ حق العودة وتحفيظ ألف باء ثوابتها للأجيال القادمة وعدم التخلي عن حق الرجوع للوطن وللدار وللأحلام التي لا تزال تنتظر أصحابها.
ويعيش نحو4.5 ملايين لاجئ في مخيمات بائسة في لبنان وسوريا والأردن وقطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
ويعاني اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات الشتات ظروفاً اجتماعية واقتصادية صعبة وقاسيـة، ويعيشون في مساكن ضيقة ومتـلاصقة، فيما يتلقون المساعدات الإنسانية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا".
مفتاح الدار
وكمـا تزرع الأم الفلسطينية حُب الوطن في قلوب أولادها، فإنها في الوقت ذاته تورثهم ذاكرة حق العودة وعدم نسيانها. وحتى لا تنسى ذاكرتهم، تطلق الأمهات الفلسطينيات على أبنائهن أسماء المدن التي هُجِّروا منها، وأسماءً تذكرهم باللاجئين وحق العودة، من بيسان إلى عائد إلى حيفا إلى يافا.
أم رأفت عبيد في العقد الثامن من عمرها، تفتخر بأن جميع أحفادها يحملون أسماءً تنطق برائحة الوطن، وتقـول بنبرات واثقـة لـ"العودة": "إنهم لا يحملون أسماءً فقط... هم يحملون ذاكرة. هذه الأسماء تردّ على الاحتلال ونظرياته القائلة بأن اقتلوا كبارهم فينسى صغارهم".
وتحاول الجدة أن تنعش ذاكرة أحفادها بقصص النكبة وحكايات الهجرة لكي تبقى تنبض بالاشتياق.
وبعد ستة عقود على النكبة، يقف أبناء جيلها الثالث مدركين، والتاريـخ يسـري في عروقهم كما الدم، معنى اللجـوء والهـجرة. يحفظون بلداتهم وقراهم الأصلية، كما يحفظون أسماءهم، بطرقاتها وأشكال بيوتها ورائحة ترابها كما غرسها أجدادهم وآباؤهم في ثنايا ذاكرتهم.
ويتلقى الأطفال من جداتهم مفاتيح الدار العتيقة التي فروا منها مرغمين أمام المذابح التي صبغت فلسطين بلون الدم في عام 1948 .
حمل الأمانة
والمـرأة الفلسطينية بتأكيد المحلل والكاتب الفلسطيني "ناجي شراب" أم اللاجئين وجدتهم، وهي من تذكرهم ليل نهار بحقوقهم المسلوبة التي لا بد من نيلها يوماً. وأضاف في حديثه لـ"العودة": "لا يمكن المرأة التي شهدت المجازر والتشريد، والتي فقدت البيت والأقارب، والتي أجبرت على التنقل والترحال في مخيمات اللجوء أن تنسى ألم النكبة والتشريد، وهي لن تتواني طوال الأعوام والعقود الماضية واللاحقة عن تذكير أحفادها وتوريثهم حق العودة، وأنه لا بد من العودة إلى فلسطين يوماً".
وأكّد شراب أن المرأة الفلسطينية مثّلت، ولا تزال، نواة صلبة للتمسك بقضية اللاجئين وحق العودة وأنها ستبقى كذلك.
ولفت إلى أن دور المرأة يكتسب أهميته من قيمة مكانة المرأة الفلسطينية وحجم ما تقدمه من تضحيات جسام، وأضاف: "هي اليوم تدفع بأولادها نحو مسيرات العودة ولا تأبه إن عادوا شهداء أو جرحى. تغرس في قلوبـهم معاني حق العودة، وتخبرهم عن حلمهم المسلوب. وهي التي تربيهم على أن هذا الحق يجب أن تتوارثه الأجيال جيلاً بعد آخر".
وفي 2011/5/15 تحرك عشرات آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة ومصر والأردن وسوريا ولبنان، في مسيرات شعبية سلمية نحو الحدود مع فلسطين المحتلة عام 1948، ورددوا جميعاً شعاراً واحداً قالوا فيه: الشعب يريد العودة إلى فلسطين.
وبعد 63 عاماً من اللجوء، تحركت جموع كبيرة من الفلسطينيين نحو الحدود لتأكيد حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. ولم تكن الطريق نحو فلسطين ممهدة، بل كانت محفوفة بالتهديد والوعيد الإسرائيلي، وقد أحصت التقارير الطبية الفلسطينية نحو 15 شهيداً وأكثر من 572 جريحاً.
وحظيت المسيرات بدعم جماهيري عريض من مختلف دول العالم؛ فقد تحركت مسيرات في كل من دول المغرب العربي، مثل تونس وموريتانيا، ومن دول العالم الإسلامي مثل تركيا وإيران، ومن الدول الغربية مثل المملكة المتحدة وغيرها من الدول.
وقد تمكنت مسيرات لبنان وسوريا من الوصول إلى الشريط الحدودي مع فلسطين، وتمكن عدد من المشاركين من ملامسة الشريط، بل استطاع العديد من الأفراد تجاوزه لأمتار، سوى رجلٍ واحدٍ تمكن من الوصول إلى يافا بلدة أبويه.
وزيرة المرأة في الحكومة الفلسطينية بغـزة جميلة الشنطي، أكدت في حديثها لـ"العودة" أن وزارتها تسعى جاهدة إلى ترسيخ حق العودة وتثبيت هذا المفهوم. وقالت إن الوزارة من خلال نشاطاتها المتعددة تحاول تبيان دور المرأة في حمل هذه الأمانة. وأضافت: "المرأة الفلسطينية أبدعت في كل المجالات، وقاومت وظلّت بجوار الرجل وهي تدافع عن حقوق فلسطين وثوابتها وفي أولى مقدمات هذه الثوابت "حق العودة".
وأشارت الشنطي إلى أن وزارة المرأة قامت بالعديد من الفاعليات والمهرجانات الفنية والسياسية والثقافية لتأكيد حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
من جيل إلى آخر
وشددت على أن النساء في فلسطين يتمسكن بهذه الفاعليات لحمل الأمانة بمسؤولية ونقلها إلى أجيالهن.
وأكدت أن تسلح الأجيال بالوعي الكامل في ما يتعلق بحق العودة يتطلب جهداً كبيراً من المرأة الأم والمدرسة والوزيرة وفي كل مكان ومنصب توجد فيه. واستدركت بالقول: "مطلوب تكاتف الجميـع لكي نرسم لفلسطين مستقبـلها".
ولفتت إلى أن الوزارة أقامت مهرجاناً كبيراً إحياءً لذكرى النكبة والتذكير بحق العودة شاركت فيه مجموعة من الفرق الفنية والشعبية، وتعرّف الحاضرون إلى أثواب اللد والرملة وكافة الديار المسلوبة.
ولفتت في ذات الوقت إلى أن الوزارة ستبقى تعمل من أجل ترسيخ مفهوم حق العودة في عقول النساء لكي يتم توريث هذا الثابت من جيلٍ لآخر.
ومن جهـتها، أكدت ابتسام صايمة، مديرة مؤسسة "نساء من أجل فلسطين"، أن مؤسستها تحاول من خلال موقعها وصحيفتها الشهرية أن تركز على مفهوم حق العودة.
وقالت صايمة لـ"العودة" إن نساء فلسطين لم يتوانين ولو للحظة عن تدريس أبنائهن حق العودة وترسيخ هذا المفهوم في عقول الصغار ليكبر معهم. وأضافت: "المرأة الفلسطينية الأم والإعلامية والشاعرة أينما كانت تؤدِّ دوراً هاماً وحيوياً في ترسيخ مبدأ حق العودة وعدم نسيانه".
متطلب جامعي
وتمنت صايمة أن تقوم المؤسسات النسوية في كافة الوزارات والتنظيمات بحمل هذه الأمانة وتوصيلها إلى الأجيال القادمة.
وقالت إن هذه المهمة تقع على عاتق التربويين والآباء، وإن مناهج التعليم مطالبة بتدعيم هذه القضية من خلال القصائد والمقالات والأنشطة التي تتحدث عن حق العودة واللاجئيـن.
وفي سياق متصل، دعا الدكتور محمود حسن، المحاضر في جامعة الأقصى بغزة، في دراسة متخصصة عن حق العودة في مناهج التعليم الجامعي إلى أن تتبنى الجامعات الفلسطينية منهجاً دراسياً مستقلاً عن حق العودة كمتطلب جامعي.
ودعا إلى الاهتمام الجدي بحق العودة وثقافته في مناهج التخصص لقسم التاريخ والآثار والعلوم السياسية، مع أن تفرد المناهج الدراسية مساحة كافية لهذا الحق، مؤكداً الحاجة إلى أن تعقد الجامعات مؤتمرات وأياماً دراسية وندوات في المناسبات السياسية والثقافية المرتبطة بإحياء هذا الحق.
وطالب أيضاً بأن تفتح الجامعات المجال أمام الطلبة للإبداع في مجال نشر ثقافة حق العودة عبر إعلان جوائز أو منح دراسية للمبدعين في هذا المجال.
المصدر: مجلة العودة العدد الـ54