في مخيم برج البراجنة: أسلاك الكهرباء تقتل الناس!
زينة برجاوي - السفير:
على مدخل مخيم برج البراجنة، تحضر رسالة قصيرة، تقبض القلب: «كانت لي حياة. كان لي مستقبل... حتى لا يموت طفل آخر».
كٌتبت تلك الكلمات أسفل صورة شاب اسمه أحمد، وصور أحمد انتشرت على جدران أزقة المخيّم.
أحمد يعقوب هو «شهيد الكهرباء»، بحسب أهل المخيّم، علماً أنه ليس الوحيد الذي فقد حياته بسبب الكهرباء في المخيم، إذ أن أهالي المخيم يخبرون عن عشرات الأسماء لضحايا قضوا صعقاً بالأسلاك الكهربائية المنتشرة بطريقة عشوائية ومتشابكة في بقعة العيش الصعب هذه.
مات أحمد (18 عاماً) منذ حوالى سنة. يومها، كان يساعد جيرانه على دفع سيارة معطّلة. ما هي إلا لحظات حتى يصيب رأسه سلكٌ يتدلى من سماء المخيم، فصعقته الكهرباء، وسرعان ما لفظ أنفاسه الأخيرة. حكاية أحمد، تضاف إلى حكايا الناس الذين قضوا قبله وبعده بسبب عشوائية مدذ أسلاك الكهرباء، وتتناقلها ألسن الأحياء، وكأنها مسلسل نكبة لا أفق لنهايته. ففي مخيم برج البراجنة، تصنع أسلاك الكهرباء سقفاً بديلاً من السماء، وتتمدد أنابيب المياه بارتفاع سنتيمترات قليلة عن الرؤوس، لا تأتي من مصدر واضح، ولا تهدف إلى وجهة صريحة.. كأنها غابة، كأنها جريمة.
وبينما يقدّر أهالي المخيّم عدد قتلى الأسلاك الكهربائية في البرج، حتى الساعة، بخمس وعشرين ضحية، أشار مدير منطقة بيروت الوسطى في «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - الأونروا» محمد خالد إلى أن عدد الضحايا هو ثمانية أشخاص. وأكد خالد لـ«السفير» أن «شركة الكهرباء مسؤولة عن الكهرباء في المخيم، إذ تتولى الإشراف على تمديدات الشبكة، ولا يحقّ للأونروا التدخل بالموضوع». وباسم «الأونروا»، ناشد خالد المعنيين المبادرة إلى إيجاد حلّ لهذه المشكلة.
كلما أمطرت السماء..
للاستفادة من خدمات الماء والكهرباء، يمد الأهالي في المخيم أنابيب مياه حديدية، تتشابك مع أسلاك الكهرباء، ما يعرّضهم لخطر الإصابة بصعقات، يتراوح أثرها ما بين الخفيف والمميت. وبما أن مشروع البنى التحتية، القادر على حلّ تلك الأزمة، لم ينجز بعد، لم يجد المعنيون، أكانوا من إدارة المخيم أو من «الأونروا»، حتى الساعة، وسيلة للحدّ من خطورة الأسلاك.
فيراقب الرجل السبعيني أبو هيثم، من داخل دكانه الصغير، قطرات الماء تنساب من الأسلاك الممتدة فوق دكانه الذي يقع أسفل انتشار كثيف للأسلاك الملونة، على علوٍ منخفض. لا يعتبر أبو هيثم مشكلة الكهرباء «جديدة» على أبناء المخيم، يبدأ بالإخبار عنها من مقولة «حدّث ولا حرج». يتوقف عند غياب حسّ المسؤولية عن أي من الأطراف المسؤولة عن الحياة في المخيم، نظراً لخطورة الوضع القائم. يقول أبو هيثم إنه «من الممكن التريث في بت موضوع الحقوق المدنية، ومن الممكن المماطلة في إقرارها، ولكن، لماذا السكوت على الموت بسبب سلك كهربائي؟».
على بعد خطوات من دكان أبي هيثم، تتولى حكمت نشر الثياب التي غسلتها في الصباح الباكر. تقول إن الجميع في لبنان يصلي لربّه كي تمطر ويستفيدوا من خيرات المطر، لكن «فوائد المطر مصيبة عنا بالمخيّم». فبحسب تجربة حكمت، يشكل المطر الخطر الأكبر على سكان المخيم، تحديداً بسبب امتداد الأسلاك الكهربائية بطريقة عشوائية. تقول إنها تعيش على أعصابها، كلما أمطرت السماء. بين لحظة وأخرى، تباغتها صورة خانقة. يهيأ لها أن تشتبك المظلات التي يحملها أطفالها بسلك من الأسلاك، فتصعقهم الكهرباء. لا تفارق الصورة بالها، كلما أمطرت. ما دفع بمجموعة من سكان المخيم إلى جمع المال، وشراء أعمدة خشبية، لرفع الأسلاك عليها، والحدّ من خطورتها على السكان.
ولكن، يشرح أبو محمد أنه، عندما حاول رفع الأشرطة على العمود الخشبي، كادت الكهرباء تصعقه، وتقضي عليه. يقول إنه لم يعد قادراً على رؤية الناس يموتون بسبب الأسلاك. يتوقف عند قصة الطفل محمد الذي فقد والدته بعدما صعقتها الكهرباء منذ سنتين. ماتت الوالدة وتركت ثلاثة أيتام يعيشون بمفردهم، بعدما اضطرّ الوالد إلى العمل في الأردن لتأمين قوت العائلة. وقد بات الطفل محمد يعاني من «عقدة الكهرباء». سرق رحيل والدته بعضاً من طفولته. لم يعد يرغب في الخروج من المنزل واللهو مع أترابه.. لا يجرؤ على لمس أي شريط من دون طلب المساعدة ممن يكبرونه سناً، حتى أنه لا يشغّل جهاز التلفزيون كونه يعمل على الكهرباء.
سئم سكان المخيم زيارات الوفود التــي تكشــف على الوضع، وترحل واعدة بالخير. ما عادوا ينتظرون تحقق الوعود، ما عادوا يرغبون حتى بسماعها. هناك فعل يجب أن يتخذ، وحيوات يجب أن تحمى.. بانتظار أن تقر الدولة يوماً ما قانوناً يشي ببعض الاحترام لحق الإنسان في الحياة على أرضها.