"في
وداع خالد بكراوي" شهيد....يزف شهيد
المصدر: مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية
هي شمعة أخرى تنطفئ اليوم على مذبح الحرية في مخيم
اليرموك، إلا أنها ليست ككل الشموع زيت وخيط، بل هي جسد ٌ وورح، يختفي الجسد في
النهاية ويتلاشى إلا أن الروح تضيء وتأبى مفارقة أحبتها وتبسط جناحيها على حارات
وزواريب المخيم تبث الأمل وتدعو إلى المثابرة و الجد فطريق المجد يصنعه الرجال
لتسير عليه الأمة نحو الرفعة و السداد.
إنه الخالد في قلوب أحبابه وإخوانه من أبناء شعبه الذين
عرفوه طيبا ً رقيقا ً لطيفا ً صديقا ً حاملا ً هما ً ورثه عن أبويه، مثله في ذلك
كمثل أقرانه من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، لم يعرف الكلل ولا الملل،
ووطّن نفسه ودربها للعمل في يوم تنقلب فيه الموازين والمفاهيم، فلا ينفع فيه حرص
ولا تجد فيه مع الحق نصير.
ولد الشهيد خالد بكراوي عام 1988 لعائلة فلسطينية من
قرية لوبية، حرصت على تعليمه وتربيته التربية السليمة ليكون عنوانا ً ساطعا ً
للشباب الفلسطيني الساعي إلى تحرير أرضه واستعادة مقدساته، لقد كبر خالد وكبر معه
الهم الوطني الذي ترافق مع همة الشباب واندفاعه فكان مثال الطالب الفلسطيني
والمنبر المدافع عن حقوق شعبه وحريته في كلية الدراسات القانونية في جامعة دمشق.
عرف الشهيد خالد بنشاطه ضمن المؤسسات التنموية الشبابية
فكان من متطوعي مؤسسة طمي التنموية الشبابية وكذلك في مؤسسة جفرا ومراكز دعم
الشباب التابعة للأونروا، ليصبح بعدها من أبرز الناشطين في مجال تدريب الشباب
الفلسطيني بالمخيمات.
كان لخالد حضور لافت في كل المناسبات الوطنية الفلسطينية
فتراه يهتف للشهيد ولفلسطين، فقد جرح في حزيران 2011 وهو يحمل مايكرفونه محاولاً
إبعاد الشباب عن رصاص الاحتلال فكان درعهم الذي تلقى رصاصتين لم تفلحا في قتله،
لينجح بعدها مجرم آخر لم يكن خالد يعلم أنه يسكن إلى جواره في الشام.
خالد بكراوي الذي فاجئ الجميع يوم أطلق مع رفاقه شعار
" أنا راجع " بمناسبة ذكرى نكبة فلسطين في ظرف خشي فيه الناس على أنفسهم
من بطش قد يأتيهم إن هم خرجوا أو هتفوا فيه، فما وهنوا وما خافوا، وظهروا رافعين
شعاراتهم الدالة على رفضهم للجوء و تمسكهم بحقهم في العودة.
لقد ثبت الشهيد في مخيم اليرموك يوم هجره أبناؤه على
خلفية الأحداث و المصائب التي ألمت به، وفضل البقاء وأعلن للملأ أنه باق ٍ ولن
يغادر ولن يتنازل عن مبادئ طالما تغنى بها وحدث خلانه فيها، فالمخيم كان محطته
الأولى التي بدأ يخط فيها طريق عودته إلى قريته لوبية في فلسطين ولم يضع لنفسه
محطة أخرى سوى فلسطين ففضّل البقاء على الخروج يخدم من استطاع وبما استطاع من أهله
وإخوانه.
خالد بكراوي ابن المخيم الناشط الإغاثي الحالم بمستقبل
أفضل له ولأبناء شعبه، خالد الذي تسلح بالقلم و العلم وخاض غمار العمل الانساني
بجسده النحيل فأجاد وأبدع في خدمة من نزح إلى المخيم عندما اشتعلت الثورة في
المناطق المجاورة وغص بالنازحين، وعمل بإحساس الإنسان الشفيق على أخيه الإنسان
دونما النظر إلى أي اعتبارات أخرى.
لم يرق لأعداء الانسانية سلوك خالد ولم يرضِ البعض،
فتربصوا به في منطقة المزة بمدينة دمشق ليغيبوه في السجون يوم 19 كانون الثاني
2013، علهم يفلحون في القضاء على صوت بات يرعبهم ويقض مضاجعهم، إلا أنهم لا يعلمون
أن صوته خالدٌ كإسمه، فترانيم هتافاته في زفاف الشهداء وصورته وهو يعتلي أكتاف
أصحابه في مواكب الوداع حاضرة وستبقى خالدة في قلوب كل من عرف خالد.
لم يحتمل قلب خالد الصغير بحجمه الكبير بعطائه، ظلم
جلاديه وتعذيبهم، وما ذل وما خضع، وفضل الموت على بيع المبادئ، وفاضت روحه تاركة ً
إرثا ً كبيرا ً عنوانه العطاء ومضامينه التضحية وحروفه الإباء، بظروف مجهولة
الزمان في أقبية التعذيب التي اعترفت فيها اليوم لذويه فقالت : ابنكم
مااااااااااااات وكفى !!!!!.
لقد فارق خالد أحبته وترك في القلوب الحسرة التي يتركها
فقد ُ الشباب فقد أجمع كل من يعرف خالد على " أنه كان للمخيم كل شيء فأصبح
المخيم بفقده يتيم، فهو المخيم بكل تفاصيله دموعه وضحاكاته.....وكان الجميل و
العريس والحبيب والمدرسة بكل تفاصيل العمل الشبابي والاغاثي والاعلامي".