قبل أن تتدحرج كرة الانتخابات!
لمى خاطر
عندما جرت انتخابات مجالس الطلبة في جامعات الضفة الغربية العام الماضي، وشاركت فيها الكتلة الإسلامية للمرة الأولى منذ خمس سنوات؛ قلنا إنها كانت بمثابة (بروفة أمنية) بالنسبة لحركة فتح؛ استطلعَتْ من خلالها مدى إمكانية تأثير قبضتها الأمنية على مجريات العملية الانتخابية، وإلى أي حدّ يمكن أن يساهم نفوذ أجهزة الأمن في استثمار خبراتها ومواهبها المختلفة التي حصّلتها خلال السنوات الأخيرة في تحييد العناصر (المقلقة) عن المشهد الانتخابي!
واليوم، وبعد انطلاق عملية تحديث السجل الانتخابي، ما زلنا نلاحظ انخفاض نسبة الاستجابة للتسجيل فيه على نطاق الضفة الغربية، رغم دعوة جميع الفصائل جماهيرها للمسارعة للتسجيل، غير أن هناك حالة من انعدام الثقة، واستشعار اللاجدوى من العملية برمّتها تهيمن على وعي قطاع عريض من الشارع الفلسطيني. وهو شعور أتى بالدرجة الأولى من استذكار مآل الانتخابات السابقة وكيف أن عدم التسليم بنتائجها لا زال مسيطراً على المشهد حتى الآن، وتتمثل أهم تجلياته في استمرار تعطيل عمل المجلس التشريعي، والذي تحرص حركة فتح على إبقائه مشلولاً لحين إجراء انتخابات جديدة، في وقت ما زال محمود عباس يحظى بشرعيته كرئيس منتخب، رغم أن انتخابه سبق انتخاب المجلس التشريعي بعام!
تحديث السجّل الانتخابي مهم، والاستجابة لدعوات التسجيل ضرورية أيضا، غير أنه مهمّ لحركة حماس بالتوازي مع حرصها على تحديث السجل، أن تصرّ على تحصيل تغيّرات على أرض الواقع في الضفة تضمن على الأقل تبييض السجون من معتقليها السياسيين ووقف سياسة الاستدعاءات والملاحقة على خلفية تنظيمية، فالاستدعاءات للاستجواب في المقرّات الأمنية ارتفعت وتيرتها مؤخراً وهناك من يتم استجوابهم حول الانتخابات القادمة، بمعنى أن حركة فتح لا تتصرف كند أو خصم سياسي في الضفة بل كتيار مهيمن يستثمر قوته وسيطرته لكشف أوراق حركة حماس، منافسها الأبرز، وتحاول إشعار كوادر الحركة بأنهم تحت المراقبة والرصد، وهو أمر لا يجوز، ولا ينبغي التهاون معه. كما لا ينبغي الوقوع في فخّ المقارنة مع وضع حركة فتح في غزة، لأن الأخيرة تتمتع بعافيتها التنظيمية هناك ولم تستنزف كوادرها بالاعتقال لدى الاحتلال كما يحدث يومياً مع كوادر حماس في الضفة!
إذا ما أصدر محمود عباس المرسوم المتعلّق بالانتخابات، فقد تتدحرج الكرة حتى تغدو العملية الانتخابية أمراً واقعا، وتجربة حماس مع فتح في حوارات المصالحة تقول إن الأخيرة تحرص دائماً على أخذ ما يهمّها من كل اتفاق وإنكار الباقي أو تأجيله، وفي حال تهاونت حركة حماس مع الأمر وسمحت بتكرار ما مضى فعليها التيقّن من أنها ستخوض الانتخابات في الضفة الغربية وهي كمن (يسعى إلى الهيجا بغير سلاح)، فما من شيء سيلزم حركة فتح بتنفيذ الجزء الخاص بها حتى لو ظلّت حماس تؤكد أنها تريد تطبيق المصالحة رزمة واحدة وحل جميع ملفّاتها. لأن المهم (وهو التغيرات على الأرض) سيتراجع ليصبح شأناً إجرائياً ثانويا، فيما سيطفو غير المهم (أي العملية الانتخابية) لتتقدّم على كل الملفّات السابقة، وتنفرد دونها بالاهتمام والمتابعة!
لا مجال لتقديم حسن النوايا في التعامل مع الخصوم السياسيين، ولا لافتراض أن هناك توجّهاً لتغيير السياسات السابقة لديهم، أو نبذ ثقافة الإقصاء التي غدت جزءاً من تركيبة العقلية الجمعية لجهات معروفة على الساحة الفلسطينية، بل أعتقد أن مجرد الاستجابة لتقديم بحث ملف الانتخابات على كل الملفات الأهمّ الأخرى ومن بينها البرنامج السياسي وإصلاح منظمة التحرير لا يبشّر بخير، بل يشي بأن هناك أزمة جديدة وكبيرة لن تلبث أن تتجلى على الأرض، وأعتقد أن الوقت ما زال مبكراً لتدراك كلّ هذا!