قراءات لبنانية متباينة لتداعيات العدوان الإسرائيلي الجديد
«حرب غزة» في ميزان «8 و14 آذار»: جبهتنا ستبقى هادئة
بقلم: دنيز عطالله حداد
تقدمت الحرب الإسرائيلية على غزة على غيرها من الاهتمامات اللبنانية الداخلية،
فتحولت الأنظار الى «عمود السحاب» الذي يختزن «الرصاص المصبوب» حقدا وفتكا على القطاع
المستهدف وأهله.
تابع السياسيون اللبنانيون العدوان الإسرائيلي على غزة وحاولوا قراءة
تداعياته على الداخل اللبناني الذي يعرف جيدا ان أية سحابة صيف عابرة قد تنذر بعواصف
عنده، فكيف إذا كانت سحابة إسرائيلية سوداء؟
ينقسم الساسة اللبنانيون في مقاربة الأحداث وتطوراتها وانعكاساتها. يتفقون
فقط على «إدانة الإجرام الإسرائيلي». أما ما تبقى من تحليل وقراءة وسلوكيات داخلية
يجب اعتمادها، فإن الأكثرية والمعارضة أقرب إلى خطين متوازيين لا يلتقيان أبدا.
يشدد نائب حزبي في الاكثرية على ان «الحاجة تزداد إلحاحا للحفاظ على الاستقرار
الداخلي وضبط الأوضاع الامنية، لمواجهة المخاطر التي قد تهددنا. فإسرائيل تثبت مرة
جديدة انها لا تحتاج الى مبررات لعدوانها الأعمى ومحاولتها إبادة الشعوب. ولبنان لن
يكون بمنأى عن هذا العدوان اذا ارتأى رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو ان له مصلحة انتخابية
في توسيع رقعة الحرب. وفي مثل هذه الاوقات تتأكد الحاجة الجدية الى قوة ردع تمثلها
المقاومة تجعل اسرائيل تعيد حساباتها مرات ومرات قبل الاقدام على أي عمل متهور، وتجعل
اللبنانيين يطمئنون، الى حد كبير، لوجود من هم مستعدون للموت دفاعا عنهم وعن سيادة
البلد». إلا ان النائب لا ينفي «وجوب الاحتياط وتوقع كل السيناريوهات. هي مرحلة مقلقة
بكل المقاييس».
ارتفاع منسوب القلق يطال قوى المعارضة ايضا. فإسرائيل هي محور الحدث.
«اسرائيل صاحبة أكبر سجل إجرامي» كما يقول نائب في «14 آذار»، مضيفا «تنشغل الاوساط
المحلية في تحليل توقيت العملية الاسرائيلية. الاكيد ان صاروخين أطلقتهما «حماس» لا
يستدعيان حربا بهذه الضراوة على القطاع المنهك على كل الاصعدة. لكن اسرائيل المقبلة
على انتخابات مبكرة في كانون الثاني المقبل، تريد أن تعرف أجوبة مسبقة عن مجموعة أسئلة
تقلقها. فها هو الرئيس الاميركي باراك أوباما قد أعيد انتخابه فيما نتنياهو كان يؤيد
خصمه ميت رومني. وبالتالي تريد اسرائيل ان تطمئن الى ان انحياز نتنياهو لرومني لن يؤثر
على العلاقة التاريخية بين البلدين. كما ان اسرائيل تريد ان تختبر مواقف الدول العربية
التي تغيرت فيها الانظمة، وفي طليعتها مصر، ومزاج شعوبها وحدود حراكها بعد التغييرات
التي طرأت عليها».
وهل الحرب على غزة تستدعي سلوكا مغايرا في الملف اللبناني الداخلي؟ هل
يمكن ان تشجع المعارضة مثلا على العودة الى طاولة الحوار؟
يؤكد النائب المعارض ان طاولة الحوار اليوم «لا تغير شيئا في واقع الحال.
فقد تحولت منذ زمن الى صورة. المطلوب اليوم، أكثر من أي يوم آخر، حكومة حيادية على
مسافة من كل اللبنانيين تسيّر شؤونهم وتحصن أمنهم وحدودهم. وكل كلام آخر لا يفيد في
شيء».
وهل تتخوف «قوى 14 آذار» من قيام «حزب الله» بالمشاركة في الدفاع عن غزة
أو إشعال جبهة الجنوب. يستبعد النائب ذلك معتبرا «ان لا مصلحة لإيران بإشعال جبهة الجنوب.
لذا لا أظن ان «حزب الله» سيقدم على مثل هذه المغامرة. أما اسرائيل فلا يمكن التوقع
بحجم عدوانها. إلا اننا ما دمنا نلتزم الحياد ونبتعد عن إعطاء الذرائع فإننا سنبقى
على الارجح بمنأى عن شرور اسرائيل».
لا يفوت النائب ان يربط بين «المصالح المشتركة التي تتكشف يوما بعد آخر
بين النظام السوري واسرائيل. فإضافة الى ان توقيت هذه الحرب يدخل في إطار إشاحة الانتباه
عن الجرائم المتواصلة التي تحصل في حق الشعب السوري على أيدي النظام وأعوانه، فإن استهداف
«حماس» والقطاع بعد خروجها مما يسمى «محور الممانعة» دليل إضافي على الخدمات المتبادلة
بين النظام السوري واسرائيل».
يأسف نائب في الاكثرية لمضمون القراءات السياسية للمعارضة ويعتبرها «دليل
إفلاس. لكنني أتأسف خصوصا لحال سوريا التي تكاد لا تستطيع لملمة جراحها لتكون قادرة
على دعم غزة وأهلها. ومن المفيد تذكير المعارضة اللبنانية بأن الصواريخ التي تستخدمها
«حماس» و«الجهاد» في بث الرعب في الاسرائيليين، والتي أوقعت بينهم قتلى وجرحى، هي صواريخ
ايرانية الصنع سهلت سوريا الحصول عليها».
وعن إمكان إشعال الجبهة اللبنانية، يؤكد النائب الاكثري «ان لدى المقاومة
من الحكمة والحنكة التي تجعلها تتخذ الموقف الصائب. ليس من واجبنا طمأنة اسرائيل. نحن
سنحرص على الحفاظ على أمن بلدنا واستقراره والدفاع عنه في وجه كل معتد أو غاصب. واسرائيل
تعرف ان الحرب على لبنان ليست نزهة. ولا أظن انها بعد الصواريخ التي طالت تل أبيب ستجرؤ
على توسيع مغامرتها».
يتابع اللبنانيون أحوال غزة الضحية يفتك بها جلادها. يخافون ان تطالهم
أسواطه، لكنهم لا يبادرون حتى الى التواصل في ما بينهم من أجل صياغة حد أدنى من مظلة
أمان. يفضلون مواصلة تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات وضمنا الرهانات والانتظارات.
المصدر:
السفير