قراءة حماس لاعتذار
"إسرائيل" لتركيا بموازين الربح والخسارة
بقلم: عدنان أبو عامر
جاء اعتذار رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين
نتنياهو" لنظيره التركي "رجب طيب أردوغان" ليشكل انتصاراً لما ترفعه
حركة حماس من شعارات ومبادئ تتمثل بأن إسرائيل لا يجدي معها سوى لغة القوة والتحدي،
وهو ما قامت به تركيا خلال السنوات الثلاثة الماضية.
في ذات الوقت، لم تعبر حماس عن ذات الفرحة حين قبل
"أردوغان" بصورة سريعة باعتذار "نتنياهو"، لأن ذلك معناه عودة
العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما يعني بالضرورة خشية الحركة من حدوث شرخ في جدار
العلاقة القوية التي ربطتها بمن اعتبرته حليفها الوثيق "أردوغان" خلال الأعوام
الأخيرة، على اعتبار أن هناك "تناسباً عكسياً" يفيد بتقدم علاقة أنقرة بحماس
إذا ما شهدت علاقتها تراجعاً بإسرائيل، والعكس صحيح!
ولذلك سادت أجواء من التخوف داخل حماس من إمكانية أن
تؤثر عودة العلاقات التركية الإسرائيلية لسابق عهدها، على حالة الانسجام النسبي في
المواقف السياسية بين حماس والأتراك، رغم فارق الحجم والتأثير والنفوذ بين حركة تحرر
متواضعة في قدراتها، ومحدودة في علاقاتها، ودولة بحجم تركيا من الدول الكبرى في المنطقة،
وذات تأثير ونفوذ لا تخطئ حماس في تقييمه، واعتباره ذخراً إقليمياً لها، وربما دولياً
في قادم الأيام!
ومع ذلك، فقد كان لافتاً اتصال "أردغان"
بقائد حماس خالد مشعل حين تلقى اعتذار "نتنياهو"، ليس بالضرورة لأخذ إذنه
بالموافقة من عدمها، وهو ما تدركه حماس بكثير من العقلانية والتواضع، لكنها اعتبرت
اتصاله هذا تعبيراً منه على إبقاء خطوط التواصل قائمة مع الحركة من جهة، ومن جهة ثانية
إعلانه أنه لن "يبيع" الفلسطينيين من خلال هذا الاعتذار، أو تخليه عنهم مقابل
عودة العلاقات مع إسرائيل، وهو كابوس لا ترغب حماس برؤيته إطلاقاً في المرحلة القادمة.
تخوف حماس بدا متزايداً من المصالحة التركية الإسرائيلية،
بالتزامن مع ما تعتبره محدودية خياراتها التحالفية في المنطقة، لاسيما بعد القطيعة
الكاملة مع سوريا بفعل دعهما للثورة من جهة، ومن جهة ثانية حالة الفتور والبرود في
العلاقة مع إيران، ومن جهة ثالثة رؤيتها للأزمة الخانقة التي تمر بها مصر حالياً، وعدم
تفرغها للملفات الإقليمية، ومنها القضية الفلسطينية.
كل ذلك جعلها تترقب وتتريث، ولا تستعجل في إبداء موقفها
الصريح من الاعتذار الإسرائيلي لتركيا، رغم توجيهها عبارات المديح والإطراء لـ"أردوغان"
بصورة لعلها لم يحظى بها من داخل الساحة السياسية التركية.
* المحور السني
بالمناسبة، يبدو مهماً الإشارة هنا إلى أن السلطة الفلسطينية،
خصم حماس السياسي، اختارت سياسة "النأي بالنفس"، والتزمت الصمت الكلي إزاء
الاعتذار الإسرائيلي لتركيا، ولم تختر التعقيب أو التعليق، رغم ان "أردوغان"
هاتف الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإبلاغه بالخطوة.
حماس تعلم أكثر من أي طرف آخر أن أحد مكونات نظرتها
للصراع مع إسرائيل، إبقاء الأخيرة في حالة عزلة سياسية إقليمية، ولذلك جاءت القطيعة
التركية الإسرائيلية منذ أحداث سفينة مرمرة في مايو أيار 2010، على شواطئ غزة، هدية
تاريخية للحركة.
حيث اعتبرت حماس الحدث الدامي المتمثل بسقوط قتلى أتراك
برصاص سلاح البحرية الإسرائيلي مهماً لاعتبارين أساسيين: أولهما أنه عمل على تقريب
الرأي العام التركي وصناع القرار في أنقرة من الملف الفلسطيني، باعتبار أن عدوهما في
آن واحد بات إسرائيل، وثانيهما عمل على توسيع هوة الخلاف بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما
كانت تسعى إليه حماس بقوة غير خافية على أحد.
في ذات الوقت، فإن القطيعة الإسرائيلية التركية منح
حماس ما يمكن أن يسمى "أنبوب أوكسجين" للمحور الذي بدأت تنحاز إليه بعد الثورات
العربية، وبدء انصرافها عن إيران وسوريا، وتحولها إلى مصر وتركيا اللتان كانتا إلى
عهد قريب حليفين إستراتيجيين لإسرائيل، ضمن ما بات يسمى "المحور السني"،
بديلاً عن "الهلال الشيعي" الذي كانت تسعى إيران من خلاله لتثبيت أقدامها
في المنطقة لدى الرأي العام العربي من خلال إظهار عدائها لإسرائيل.
من جهة أخرى، هناك في داخل حماس من ينظر بثقة واطمئنان
لصناع القرار التركي، ويعتقد أن تركيا لن تذهب بعيداً في علاقاتها مع إسرائيل من جديد
رغم تقديم الاعتذار، على اعتبار أن ما حصل بينهما يمكن تسميته "استدارة اضطرارية"
للطرفين: تل أبيب التي تنازلت عن كبريائها، وقدمت اعتذاراً تاريخياً غير مسبوق في علاقاتها
السياسية، وأنقرة التي سارعت لقبول الاعتذار دون الدخول في تفاصيل التعويضات، وعلاقات
الجانبين في المحاور الأمنية والعسكرية التي سادها انقطاع كبير.
وتعتقد حماس كما غيرها من الأطراف أن قبول "أردوغان"
لاعتذار "نتنياهو" لا يعني أن يعيش الاثنان "شهر عسل" في علاقاتهما،
بل إن ما دفعهما لهذه الخطوة توفر تهديد مشترك في هذه الآونة يتمثل بسوريا التي باتت
تشكل معضلة أمنية لهما بفعل احتمال تدهور أوضاعها الداخلية، وما قد يلقيه من آثار سلبية
على جارتيها: الشمالية تركيا، والجنوبية إسرائيل، فإذا ما قدر لهذا التهديد أن يزول
سواء بسقوط النظام أو لا، فإن حماس ترغب بان تعود العلاقات التركية الإسرائيلية لسابق
عهدها من الفتور الأقرب للقطيعة!
* المصالحة الاضطرارية
ولذلك فإن إدراك حماس الحقيقي لموازين القوى في المنطقة،
وحالة المخاض الصعب الذي تعيشه بفعل اهتزازات الثورات العربية، ورغبة تركيا بأن تبقى
محيطة بجميع التطورات المحتملة، هو ما دفعها لهذه الخطوة الاضطرارية مع إسرائيل.
وحماس على ثقة، سواء صدقت توقعاتها أم كانت مبالغ بها
بعض الشيء، أن موقف "أردوغان" من إسرائيل تحركه دوافع أيديولوجية فكرية،
وقد أقدم على قبول الاعتذار إرضاء "للأخ الأكبر" الأمريكي الكبير الذي لا
يروقه أن يجد أكبر حليفين له في المنطقة في حالة خصام وقطيعة.
حماس وإن آمنت بما تعتبره التوجهات الشخصية لـ"تركيا
أردوغان" المعادية لإسرائيل، وتشبيهه للحركة الصهيونية مؤخراً بأنها نظيرة العنصرية
والنازية، لكنها تؤمن بسياسة المصالح، التي حركت أنقرة تجاه تل أبيب!
وربما وصلت حماس بعيداً عن وسائل الإعلام رسائل طمأنة
من بعض صناع القرار التركي، وتهدئة لمخاوفها، يؤكدون من خلالها إبقاء العلاقة الجيدة
بينهما، وتبديد أي هواجس من شأنها تصوير أن المصالحة التركية الإسرائيلية قد تكون على
حساب مواقف تركيا المبدئية والسياسية تجاه القضية الفلسطينية عموماً، ونظرتها لحماس
خصوصاً.
على الصعيد الميداني، ومنذ أن قدم "نتنياهو"
اعتذاره لـ"أردوغان"، ما زالت الأراضي التركية تشهد استضافة عناصر وكوادر
من حماس غادروا سوريا، ولم تشهد أي مضايقات لهم، بل إن ما يشعرون به من أريحية وهدوء
قد لا يقل عما عاشوه في دمشق.
في سياق متصل، وفي وجهة نظر مغايرة كبيرة، هناك من
ينظر للمصالحة التركية الإسرائيلية على أنها قد تكون فرصة تاريخية لحماس قد لا تتكرر
كثيراً، بأن تنجح أنقرة في إدماج الحركة في العملية السياسية الجارية في المنطقة، سواء
على صعيد محادثات السلام مع إسرائيل، ولو كان ذلك طموحاً بعيداً، أو على الأقل نجاحها،
وهو ما قد يكون متوقعاً في إزالة اسمها من قائمة "المنظمات الإرهابية" على
لائحة الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، وهذا ما تأمله حماس، وترى أن تركيا هي
الطرف الأكثر جدارة وقدرة على القيام بهذه المهمة الكبيرة.
ولئن التقطت حماس بعض الإشارات الصادرة من أنقرة بشأن
إدماجها في عملية السلام، لكنها تتوقف عند اشتراطها الاعتراف بإسرائيل، وهو ما دعا
إليه الرئيس التركي "عبد الله غول"، بضرورة اعتراف المجتمع الدولي بالحركة
مكوناً أساسياً في الحركة الوطنية الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى مطالبته للحركة
بإقرار البرنامج السياسي القائم على حل الدولتين، مع ما يتطلبه ذلك من اعتراف بإسرائيل،
وهو ما التزمت الحركة إزاءه الصمت دون تقديم إجابة إيجابية أو سلبية، رغبة منها بإبقاء
العلاقة قائمة مع تركيا.
المونيتور ،
9/4/2013