قراءة لفرص فوز حماس في الانتخابات القادمة
بقلم: عدنان أبو عامر
أنهى الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة هذه الأيام تحديث السجل الانتخابي، استعداداً لقرار قد يصدر بالدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية، إذا قدر لجهود المصالحة أن تنجح أخيراً بين حركتي فتح وحماس.
ولم يعد سراً أن حماس التي وصلت السلطة من خلال الانتخابات في مثل هذه الأيام من عام 2006، تخشى على نفسها أن تكون الانتخابات القادمة مقدمة لإخراجها من المشهد السياسي بذات الطريقة، ما يجعلها في حالة استنفار داخلي على مختلف الأصعدة: السياسية، الجماهيرية، الإعلامية، للفوز من جديد بها، لتحقيق جملة من الأهداف ليس أقلها إفشال المخطط الذي تتحدث عنه من جهة، ومن جهة أخرى محاولة الإثبات أن تجربتها في الحكم خلال السنوات السابقة كانت ناجحة رغم العراقيل والعقبات، فهل تنجح؟
مهم الإشارة في البداية إلى أن من الأسباب الهامة التي أدت لفوز حماس في الانتخابات التي جرت يوم 25/يناير/2006، أنها أقامت آنذاك أدوات تنظيمية فاعلة، ذات طابع سياسي أيديولوجي تعبوي، وأعدت نفسها بصورة جيدة لـ"الاختبار التاريخي"، فحققت نجاحاً انتخابياً كبيراً غير مسبوق.
وكان لانتهاج حماس خط المقاومة المسلحة، وبروزها كحركة عسكرية فلسطينية مقاومة فاعلة في انتفاضتي الحجارة والأقصى، دور كبير في إضافة بعد جديد على ساحة التأييد والاستقطاب، فأصبحت بأعين الشباب الفلسطيني وريثاً طبيعياً لمشروع حركة فتح الأصلي، في ضوء أن عدم إدراك المزاج الشعبي للمتغيرات الدولية والتطورات الإقليمية، دفعه للاستمرار بتأييد المقاومة المسلحة.
كما تبنت حماس خطاباً إعلامياً سياسياً متوازناً، طعمته بمفاهيم دينية، مما عزز وضعها في إطار المجتمع الفلسطيني "المتدين" بطبعه، وبالتالي جاء تبنيها لهذا الخطاب في تعاملها على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ليكون العامل المؤثر في اجتذاب الأنصار والناخبين إليها، في فترة أطلقت عليها الحركة "الصحوة الإسلامية".
أكثر من ذلك، فإن الحضور الاجتماعي لحماس شكل عاملاً إضافياً في استقطابها لجمهور الناخبين، المتمثل بشبكة واسعة من المؤسسات الخدمية الاجتماعية الخيرية، كالعيادات الصحية، دور تحفيظ القرآن، لجان الزكاة، رياض الأطفال، ونوادي ومدارس، كلها تقوم بمد يد العون للمحتاجين والمرضى، وتثقيف الشباب، بفضل الدعم الذي أغدق عليها، من الجمعيات الإسلامية في العالم العربي، والدعم الذاتي من أبناء الحركة ذاتها.
• عوامل الفوز
في ذات السياق، جاء تعرض حماس لضربات إسرائيلية متلاحقة، واستهداف قادتها ورموزها، ليجعلها محل تعاطف الجماهير، خاصة تواجدهم في ساحات العمل الميداني، كالمستشفيات لمتابعة حالة المصابين والشهداء، وجنازات التشييع وبيوت العزاء، وتوثيق عملياتها المسلحة من خلال أشرطة مصورة ونشرات إعلامية، واستثمرتها كمادة دعائية تعبوية لاستقطاب المزيد من الأعضاء والأنصار.
وإذا كانت تلك العوامل السابقة ساهمت في نجاح حماس في الانتخابات السابقة، فإن هناك أسباباً تخشى الحركة أن تؤتى منها في الانتخابات اللاحقة، وأهمها ما يمكن اعتباره تماهي دور التنظيم في الحكومة، وتحييد دوره، وما رافقه من مخالفات مسلكية أو مادية، وحدوث التجاوزات دون وجود جهة رقابية تتابعها، تلاحق المتجاوزين، وتضع ضوابط عقابية لأفعالهم، وهنا يمكن استحضار فشل حركة فتح في حل إشكالاتها التنظيمية، وما ظهر منها على سطح المجتمع، ليضعف من مكانتها القيمية.
كما تعبر أوساط نافذة في حماس عن التأثيرات الانتخابية السلبية مما ترى فيه "ذوباناً" لها في السلطة والحكم، حيث وجدت نفسها عشية سيطرتها على غزة أواسط 2007 في تناقض بين ما تمثله من حركة شعبية تعبر عن نبض الجماهير، وتحولها إلى حزب السلطة، وجاء تداخل القيادات والبرامج وأدوات التنفيذ بين السلطة والحركة، ليجعل من تحديد المسؤولية أو توجيه التهمة أمراً مشاعاً بين حماس والحكومة.
فالأولى كان يكال لها التهم المتعلقة بأداء الثانية، وبالتالي يحسب أداء الوزراء والوكلاء والمدراء في الوزارات والمؤسسات، سلباً وإيجاباً، على حماس، وبالتالي من المتوقع أن تكون التكلفة باهظة وثمينة وفادحة، لأنهم حين يخفقون بتحقيق طموحات الناس، ويرتكبون أخطاء البشر، سيسجل الناس ذلك على الحركة!
الأمر الأكثر خطورة على فرص حماس في الانتخابات القادمة، كما تتحدث بها بعض الأوساط بصوت خفي، يتعلق بالخشية من أن يتسبب بلوغها للسلطة بتراجعها، فالوصول لمرحلة الحكم يعتبر التجربة الأخيرة في حياة كل حركة، وهنا تبرز مخاطر استنساخ تجربة فتح.
وهذا يتطلب إلقاء الضوء على الأسباب التي جعلتها تخسر الانتخابات، وهي: غياب المسلكية عن الكثيرين من قياداتها، وممارستها لغرور القيادة والسلطة، وإقصاء الكوادر الأساسية لصالح الكوادر المصطنعة والمرفوضة من الشارع، وعزل نفسها في الأبراج، وتمثل همها الوحيد بأن يأتي الناس إليها طلباً لرضاها، فضلاً عن ممارستها العصبوية العائلية.
وغاب عن فتح خلال تجربتها للحكم وسيلة التقييم الذاتي، ففي خضم التنافس والصراع المحموم على المناصب، تهربت منه خوفاً على مصالحها وامتيازاتها، خاصة مع استغلالها لمصالح شخصية وسوء الإدارة والكسب غير المشروع، وهي مظاهر مستفزة للمجتمع الفلسطيني.
• خيار التحالف
وفيما اشتعلت حماس شباباً ونشاطاً، أمعنت فتح في الاهتراء والانقطاع عن وجع الناس، مما راكم الخلل والتصدع داخل بنيتها، وواكبه استقطاب مصالح وصراع أجيال داخلها، وبتنا نرى معسكري عباس ودحلان، ونتج عن ذلك تشرذمها وتفتتها لأجنحة مختلفة، وإقطاعيات سياسية هنا وهناك.
ولذلك يدعو بعض الناصحين قيادة حماس بالاكتفاء بوجودها كمعارضة ممانعة في المجلس التشريعي القادم يمكنها من مراقبة أداء السلطة، خوفاً من أن تغرق في إشكالات الحكم وإرثه البائس بعد أن استنفذ صلاحيته، وهو ما تم فعلاً خلال السنوات الماضية.
وإذا كانت أحد التحديات التي نشأت أمام حماس فور فوزها وتشكيلها لحكومتها، تمثلت برفض كل الفصائل مشاركتها، فإن هناك بوادر تلوح في الأفق داخل الساحة السياسية الفلسطينية تتحضر منذ الآن، لإمكانية قيام تحالفات تنظيمية وحزبية وفكرية استعداداً لخوض الحملة الانتخابية القادمة.
وطالما أن فتح تستنفر قواها، وتختزل معسكراتها، وما تبقى من اليسار يحشد قواه ليشكل كتلة برلمانية، فإن حماس ستقرأ ملياً ظاهرة المرشحين الإسلاميين، سواء منهم المستقلين أم من القوى الأخرى كالسلفيين والجهاد الإسلامي، في ضوء أن هذه التيارات دفعت بعناصرها لتحديث بياناتهم في السجل الانتخابي، ما يعني أنها قد تجد نفسها أمام قرار فجائي بالتوجه للمشاركة بعد أن بقيت سنوات طويلة تقاطعها.
وإذا كانت خلاصة هذا التحليل تحاول تقديم تقييم أولي لفرص فوز حماس في الانتخابات القادمة، وإلقاء الضوء على حجم تأثير انخراطها في السلطة، والتطرق لأبرز هذه التأثيرات بمختلف أشكالها، فإن كاتب هذه السطور يجد نفسه مطالب بالإجابة عن هذا السؤال: هل أن انغماس حماس في ميدان الحكم سيؤدي بها لما منيت به منافستها فتح؟
وإذا رأت حماس في نفسها قادرة على مواجهة خصومها المتوقعين من فتح واليسار والمستقلين، فإنها قد تطرح خيار التحالف مع إسلاميين آخرين لتشكيل كتلة برلمانية قوية أسوة بما حصل في تجربة الإخوان المسلمين في مصر، لمواجهة القوى المعادية لها، سواء كان ذلك من خلال تقاسم متوقع للحكومة القادمة، رغم استبعاد ذلك مرحلياً، أو على الأقل لمنع استهداف ما تعتبره محور المقاومة.
وإذا ما قدر للتيار المواجه لحماس أن يفوز، فإن أولى مهامه المتوقعة ملاحقة القوى المسلحة، التي تقودها الحركة وبجانبها الجهاد والأجنحة الأخرى...فهل نرى مثل ذلك التحالف في قادم الأيام رغم استبعاده حالياً؟! لننتظر ونرى..
Al-Monitor، 25/2/2013