قراءة نقدية في
وثيقة إنهاء الانقسام الفلسطيني
بقلم: أحمد الحيلة
وقّعت حركتا فتح
وحماس "وثيقة إنهاء الانقسام الفلسطيني" برعاية مصرية في الثاني عشر من هذا
الشهر، إيذاناً مفترضاً برفع الحصار عن قطاع غزة، بعد تمكين حكومة الرئيس محمود عباس
من ممارسة مهامها بشكل كامل، كما الضفة الغربية، بحد أقصاه 1/12/2017.
إن الأجواء الاحتفالية
التي صاحبت التوقيع على الوثيقة لم تشفع بأخذ إجراءات إنسانية فورية للتخفيف من معاناة
المدنيين في غزة ولو من باب حسن النيّة، كانت سبباً لإثارة القلق والشك، هذا بالإضافة
لوجود إشكالات مركّبة في بنود ومفردات الوثيقة التي قد تعيق الوصول إلى ما هو مأمول،
وبالتالي التأثير سلباً على العلاقات الثنائية وعموم القضية الفلسطينية..، وذلك على
النحو التالي:
أولاً: الوثيقة
لم تأت على ذكر الحصار أو رفعه، أو ذكر عقوبات الرئيس عباس أو رفعها، فكل ما ذُكر عن
الوضع الاقتصادي تجلّى في فقرة وردت في مقدمة الوثيقة تقول: "الترحيب بكافة المساعدات
للشعب الفلسطيني من أجل إعادة الإعمار والتنمية من خلال الحكومة الفلسطينية"؛
فالترحيب بالمساعدات شيء والتزام السلطة الفلسطينية ومصر برفع الحصار شيء آخر، فالخشية
في هذا السياق أن تقوم حكومة الرئيس عباس بإدارة الأزمة وليس حلّها، متذرعةً بالاحتلال
وسياساته المعوّقة، وضعف الموقف الدولي الضاغط على "إسرائيل" التي تشترط
بدورها إنهاء سلاح المقاومة، واعتراف "حماس" بشرعية الكيان الصهيوني.
ثانياً: الفقرة
(2) من الوثيقة والمعنية بقضية الموظفين الـ(45 ألفاً) الذين تطالب "حماس"
بدمجهم في الوظيفة العامة، تحدثت عن "سرعة إنجاز اللجنة القانونية/الإدارية المشكّلة
من قبل حكومة الوفاق الوطني، لإيجاد حل لموضوع موظفي القطاع، قبل الأول من شهر فبراير
2018 كحد أقصى.."، وكلمة "حل" الواردة في النص السابق؛ قد تعني الدمج
الكلي أو الجزئي أو التقاعد المبكّر..، حسب تقديرات اللجنة القانونية/الإدارية المشكّلة
من خبراء من الضفة والقطاع، ما يفتح الباب على مصراعيه للجدل والنقاش حول تفسير ماهية
"الحل" الأنسب..، إضافة لذلك فإن حكومة الرئيس عباس وحسب ذات الفقرة، تلتزم
بدفع رواتب أولئك الموظفين بدءاً من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017 وحتى نهاية شهر كانون
الثاني/يناير 2018، وهو تاريخ انتهاء عمل اللجنة الإدارية/القانونية المُكلّفة، والسؤال
هنا: ما هو مصير الموظفين ورواتبهم ممّن قد تقرر اللجنة عدم استيعابهم في الوظيفة العامة
أو ممّن قد يقعون في دائرة المُخْتَلف بشأنهم لأسباب شتى؟ فالنقص الحالي في الكادر
الوظيفي المطلوب للوظيفة العامة في غزة لا يعني بالضرورة القبول المطلق بكل الموظفين،
وإلا لماذا تم تشكيل اللجنة المختصة؟
ثالثاً: المعابر
الحدودية؛ فالفقرة الـ (3) تنص على "..تمكين أطقم السلطة الفلسطينية من إدارة
تلك المعابر بشكل كامل، وذلك بحد أقصى يوم 1/11/2017" دون الإتيان على ذكر آلية
عمل المعابر وخاصة معبر كرم أبو سالم المخصص للتجارة، ومعبر رفح المخصص لحركة الأفراد
بين غزة ومصر التي لم تأت الوثيقة على ذكر موقفها السيادي من عمل المعبرين المذكورين،
ما يجعل الأمر مرهوناً لذريعة الأمن وتطوراته في سيناء، ولتقديرات أجهزة أمن السلطة
الفلسطينية المشرفة على المعابر.
رابعاً: الجانب
الأمني وهو الأخطر؛ فقد اكتفت الوثيقة عبر الفقرة الـ (4) بالإشارة إلى "توجه
قيادات الأجهزة الأمنية الرسمية العاملة في دولة فلسطين إلى قطاع غزة لبحث سبل وآليات
إعادة بناء الأجهزة الأمنية مع ذوي الاختصاص"، وهذا يثير الكثير من التساؤلات
حول دور، ومهام، وعقيدة تلك الأجهزة المطلوب إعادة بنائها وفقاً لسياسات عمل الأجهزة
الأمنية في الضفة الغربية، فالوثيقة تنص وبوضوح على ضرورة تماثل الوضع في غزة مع الوضع
في الضفة الغربية، حسب نص الفقرة (1) والتي تقول: "الانتهاء من إجراءات تمكين
حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها بشكل كامل والقيام بمسؤولياتها في إدارة القطاع
كما الضفة الغربية.."، وكل حديث يُزج به هنا للتأكيد على قدسية سلاح المقاومة،
استناداً لرفض القاهرة مناقشة مصير هذا السلاح أثناء جلسات الحوار الأخيرة لإنهاء الانقسام،
يُفسَّر على أنه تأجيل للبحث في الموضوع، وليس رفضاً للمبدأ الذي تتمسك به السلطة وحركة
"فتح" تحت شعار سلطة واحدة وسلاح واحد.
خامساً: التزام
حركة "حماس" بالقانون الأساسي لسلطة أوسلو يُعد مدخلاً لالتزامها باستحقاقات
اتفاقيات أوسلو السياسية التي تتعارض مع مضمون وروح الثوابت الوطنية التاريخية للقضية
والشعب الفلسطيني؛ فمقدمة الوثيقة نصت على: ".. الالتزام الكامل بالقانون الأساسي
(للسلطة الفلسطينية) للمحافظة على النظام السياسي الواحد الديمقراطي التعددي.."،
فالحديث صراحة عن الالتزام الكامل بـ"القانون الأساسي" للسلطة، يعني أن
"حماس" أصبحت مستعدة لأن تكون طرفاً ملتزماً بمفاعيل اتفاقيات أوسلو التي
أفرزت السلطة السياسية القائمة والعاملة وفقاً للقانون الأساسي الناشئ أثراً للسلام
المنشود مع الاحتلال الإسرائيلي، كما أن نص المحافظة على "النظام السياسي الواحد"،
سيعني فيما يعنيه المحافظة على سلطة واحدة وسلاح واحد، ما سيفتح الباب لاحقاً للحديث
عن مصير ومستقبل سلاح المقاومة..!!
سادساً: خَلَت
الوثيقة من ذكر الضفة الغربية، أو أية التزامات نحوها، وهي التي تعرضت تصاعدياً منذ
العام 2007، لتضييقات في مجال الحريات العامة والخاصة، وإغلاقٍ لعشرات المؤسسات والجمعيات
الأهلية، إضافة لملاحقات أمنية وقضائية للنشطاء والمنتمين سياسياً لحماس والجهاد الإسلامي
واليسار الفلسطيني المعارض..، ما يشير إلى خلل في الاتفاق بحصره مشكلة الانقسام وآثاره
في قطاع غزة فقط، ما يمنح السلطة في رام الله حصانة، ويدفعها إلى أخذ المزيد من الإجراءات
ضد معارضيها.
بناءً على ما تقدم،
واستناداً للواقع الفلسطيني المجرّب، فإنني أعتقد أن حركة "حماس" بالغت في
إبداء حسن النيّة، وأخطأت إجرائياً وسياسياً، ما أحدث خللاً في مخرجات الحوار الذي
من المفترض أن يؤسس لوحدة وشراكة وطنية حقيقية، وليس هيمنة طرف على طرف تحت سيف العقوبات
الجماعية.
من المتوقع أن
تتمكن "حماس" بموجب التنازلات الكبيرة التي قدّمتها، من التخفيف من شدة الحصار،
ولكنها لن تتمكن من رفعه نهائياً؛ لأن الطرف الآخر سيتدرج في معالجة الواقع الاقتصادي
والخدميّ السيئ في غزة، طلباً لمزيد من التنازلات السياسية، وكل رفض أو تمنّع من قبل
"حماس" سيواجه بسيل من الاتهامات لها، وبتحميلها المسؤولية عن استمرار المعاناة..،
في المقابل فإن كل إنجاز مُتوقّع سيذهب لحساب الرئيس عباس وحكومته "العتيدة".
المصدر: عربي
21