«قضية اللاجئين» في مناخ «الربيع العربي»!
بقلم: جواد البشيتي
ثمَّة قضايا عدة "بعضها قومي الطابع" تَصْلُح أنْ تكون موضعاً يُخْتَبَر فيه الفَرْق النوعي الذي يُفْتَرَض أنَّ "الربيع العربي" قد أحْدثه في الحياة السياسية العربية، وفي طريقة التفكير والنَّظر إلى الأمور، أكانت تلك التي اعتادت عليها الحكومات أم الشعوب والمجتمعات في عالمنا العربي؛ وأخصُّ بالذِّكْر منها قضية اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في بلادٍ عربية، ولجهة ما يمكن، ويجب، أنْ تَعْرِفه من تغيير في الموقف من هؤلاء اللاجئين، نظرياً وعملياً، سياسياً وقانونياً وإنسانياً وأخلاقياً.
ضدَّ إسرائيل، وضدَّ موقفها من اللاجئين الفلسطينيين، وقضيتهم بأبعادها وأوجهها كافة، وانتصاراً لهم، ولحقوقهم القومية والإنسانية، ولحقِّهم في العودة على وجه الخصوص، يجب أنْ يُعاد بناء "وهذا يتضمَّن معنى "الهدم"" ما اعتدنا عليه من مواقف عربية، ظاهرها الحرص على حقوق اللاجئين التي تضمَّنها، على وجه الخصوص، قرار الأمم المتحدة الرَّقم 194؛ أمَّا باطنها "الذي أظْهَرَتْه، وتُظْهِره، الممارسة" فيَشْهَد على أنَّ تلك المواقف هي أقرب ما يكون إلى "كلمة حقٍّ يُراد بها باطل"؛ فإنَّ اللاجئ الفلسطيني، في البلاد العربية، وعند العرب، هو الإنسان الذي يمثِّل "مُثَلَّثاً" في انتهاك حقوقه، أو في حقوقه المنتهَكة، فلا حقوق قومية له، ولا حقوق إنسانية له، ولا حقوق مواطَنة له.
ولقد حان لجامعة الدول العربية أنْ تجتمع على مستوى القمَّة لتُقرِّر موقفاً عربياً جديداً تَقِفَه، مع كل دولة عربية، من اللاجئين الفلسطينيين، وقضيتهم؛ فالحرص على "حقِّ العودة" يجب أنْ يُتَرْجَم بمواقف جديدة، يتأكَّد فيها أنَّ هذا الحرص حقيقي، وليس من قبيل "كلمة حقِّ يراد بها باطل".
أوَّلاً، لا تفريط في "أو تنازل عن" حقِّ اللاجئين في العودة إلى فلسطين "وطنهم القومي والتاريخي" أو إلى أيِّ جزء منها، ولو كان هذا الجزء هو إقليم الدولة الفلسطينية المقبلة.
ومن هذا الحقِّ "الأُم، والأساس" يتفرَّع "واجِبٌ قومي"؛ فالدول العربية جميعاً، وبصرف النَّظر عن حجم اللاجئين الفلسطينيين المقيمين لديها، ينبغي لها أنْ تَقِف، قولاً وعملاً، ضدَّ "التوطين"، الظاهِر والمستتِر؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ اللاجئ فيها يجب ألاَّ يُغَيَّر نمط عيشه القانوني والسياسي بما يُشْعِرَه أنَّ المحلَّ الذي يقيم فيه إقامة مؤقَّتة "مهما طالت" يمكن ويجب أنْ يصبح وطناً نهائياً له، يتمتَّع فيه بحقوق المواطَنة كاملةً غير منقوصة.
والتقويم لهذا التناقض بين الحقوق القومية للاجئين الفلسطينيين، وفي مقدَّمها حقهم في العودة إلى فلسطين، وبين حقوقهم الإنسانية، إنَّما يتحقَّق بقرار عربي جديد، يأتي من قِمَّة عربية، يحقُّ بموجبه لكل لاجئ فلسطيني بالحصول على جنسية الدولة العربية التي يقيم فيها، وبالتمتُّع بحقوق المواطَنة باستثناء ما يمكن أنْ يؤثِّر مباشَرَةً بالحياة السياسية والقانونية الخاصَّة بمواطنيها؛ فاللاجئ الفلسطيني يصبح، من طريق تقويم ذاك التناقض، مواطِناً منقوص الحقوق الانتخابية والسياسية الخاصة بالمواطنين الأصليين؛ فهو مواطِن لا يَنْتَخِب، ولا يُنْتَخَب، بينه وبين الوظائف العامة برزخ، لا وجود له في الحكومة والوزارات والجيش والأجهزة الأمنية..
إنَّ هذا "الانتقاص الحقوقي الإيجابي "الإيجابي للطرفين"" هو المَدْخَل لجعل اللاجئ الفلسطيني متمتِّعاً بحقوقه الإنسانية كافة، ومن غير ضَرَرٍ يمكن أن يلحق بحقوقه القومية، وفي مقدَّمها حقه في العودة.
وفي التقويم "الضروري" لذاك التناقض، نرى اللاجئ الفلسطيني في الدولة العربية المقيم فيها "مؤقَّتاً" يَحْمِل جنسيتها، وجواز سفرها، يحقُّ له العمل "في كل المِهَن" والإقامة والتملُّك والتنقُّل..؛ له في كل ذلك ما لمواطنيها، وعليه ما عليهم.
استثناء هذا "اللاجئ- المواطِن" من ممارَسة الحقوق الانتخابية والسياسية الخاصة بالمواطنين الأصليين، وبما يبقي دولتهم بمؤسساتها المختلفة خاصَّةً بهم وحدهم، يجب أنْ يَقْتَرِن بمنح "اللاجئ- المواطِن" من الحقوق السياسية ما يتوافَق "ولا يتعارَض" مع حقوقه القومية، وفي مقدَّمها حق العودة؛ وعلى ألاَّ تتعارَض ممارَسة هذه الحقوق السياسية مع الحقوق السيادية للدولة التي يقيم فيها لاجئون فلسطينيون؛ فالأمر الذي نريد إبراز أهميته وضرورته هو أنْ تظل إسرائيل مُدْرِكة أنَّ قضية اللاجئين ما زالت "وستبقى" حَيَّة، وأنَّ فيها من الحياة ما يَحْكُم على حلولها لهذه القضية بالموت.
أمَّا لو قامت الدولة الفلسطينية من غير أنْ يأتي، أو يقترن، قيامها بحلٍّ نهائي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، أو بحلٍّ مُرْضٍ لهم، فإنَّ من الأهمية بمكان، عندئذٍ، أنْ يصبح إقليمها هو "مكان اللجوء الجديد والأخير"؛ فـ"وَضْع اللجوء" يستمر من الوجهة القانونية والحقوقية؛ لكنَّ "جغرافيته" تتغيَّر؛ فاللاجئ المقيم في لبنان، مثلاً، يظلُّ لاجئاً؛ لكنَّ مكان إقامته، أو لجوئه، يصبح في إقليم الدولة الفلسطينية. وأهمية هذا تكمن في كونه يمنع "فلسطين الصُّغْرى جغرافياً" من أنْ تصبح "فلسطين صُغْرى ديمغرافياً"؛ ففُقْدان الجزء الأكبر من فلسطين يجب ألاَّ يُتَرْجَم بفُقْدان الجزء الأكبر من "الشعب الفلسطيني".
ما عاد ممكناً، في مناخ "الربيع العربي"، وعلى ما أفْتَرِضْ، أنْ يظل اللاجئ الفلسطيني مُكْرَهاً على "أو مضطَّراً إلى" المفاضلة بين أمْرين أحلاهما مُرُّ؛ بين "حقِّ العودة" و"حقوقه الإنسانية".
إنَّ "حق العودة"، مع ما يحميه ويصونه ويغرسه في تربة السياسة الواقعية، لا يتنافى، ويجب ألاَّ يتنافى، مع تمتُّع اللاجئ بحقوقه الإنسانية كافة، ومع حقوق المواطَنة المنقوصة بالمعنى الإيجابي ذاك؛ وإنَّ تمتُّع اللاجئ بهذه الحقوق لا يتنافى، ويجب ألا يتنافى، مع حِفْظ وصَوْن وتعزيز حقه في العودة.
ومع تقويم هذا التناقض، وعلى هذا النحو، يرتفع أكثر منسوب الحياة في "حقِّ العودة"، ويرتفع منسوب "الأنسنة" في حياة اللاجئين الفلسطينيين، ويُحْدِق الموت بـ"التوطين" و"الوطن البديل"، وتنمو أكثر روح التضامن القومي مع اللاجئين الفلسطينيين، وقضيتهم، ويضمحل ويتلاشى كل ما من شأنه إفساد وإضعاف هذه الروح، وتتطهَّر السياسة المعمول بها عربياً في قضية اللاجئين من "روح بلفور"!.
المصدر: العرب أونلاين